سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

الشرطان

ما أجمل ما يكتبه حائزو نوبل الآداب؟ عذراً عن هذا الجواب، لكنني أعتقد أنه خطاب القبول، أو هو، على الأقل، أصعب ما كتبوه في حياتهم. بأي لغة وأسلوب تريد أن تثبت للعالم أنك حقاً تستحق هذا التكريم الذي يأتي مرة واحدة في الحياة، وعلى هذا المستوى؟
ينال الفائز الجائزة على مجموعة أعمال يسمي منها أبرزها. جميعها وضعها في حرية أدبية تامة، بلا حصر أو قيود. أما الخطاب، خطاب الاستحقاق، فعليه أن يبرر في سطور محدودة، لنفسه، لماذا استحق، وللجنة الجائزة، لماذا اختارته، وللعالم، أنه على مستوى الاختيار والفوز.
خطابات الفوز بنوبل، نوع آخر من أنواع الأدب والخطب، يقاربها - ولا يعادلها - في خطب الفوز والاستحقاق، الكلمات التي تكتب للرؤساء الأميركيين في حفل التنصيب. حتى خطاب بوش الأصغر، كانت له صياغة التصنيف التاريخي. وإذ تقرأ خطب نوبل مجموعة في مجلد، أو بضعاً منها، تجد نفسك أمام كنز من الكنوز الأدبية.
السؤال، أو الخاطر التالي، لا يُطرح. أي، أيها أجمل الخطب. هذه مدارس لا خطب. وما حملني الآن على الكتابة في هذا الأمر، أنني شاهدت في صحيفة عربية محترمة، صورة لرجل يبدو شاباً تحت عنوان: الأديب (صاحب الصورة) يقول إنني أكتب لنفسي!
أحد الكتب الصادرة أخيراً عن البير كامو عنوانها: «أفضل رجل في فرنسا». وهذا الحسم العاطفي يشجعني على القول إن خطاب كامو في قبول نوبل هو أهم وأجمل تلك الخطب. ربما بكثير. أو ربما كانت هناك خطب أجمل فاتني الاطلاع عليها. قال «أفضل رجل في فرنسا» ما يلي: «لا يستطيع الكاتب أن يضع نفسه في خدمة الذين يصنعون التاريخ، بل يجب أن يكون في خدمة الذين يعانون من التاريخ». وقال: «للكتابة شرطان، خدمة الحق وخدمة الحرية».
عندما يقول رجل ناشئ إنه يكتب لنفسه، حارماً البشرية من التمتع بعبقريته، يجب أن ندعو له بالتوفيق، وأن نحمد الله على الإعفاء. الذين يكتبون لأنفسهم، وعن أنفسهم، كثيرون. ولا أعتقد أن ثمة مكاناً للمزيد. عالمنا، وخصوصاً الجزء الذي نحن فيه، في حاجة إلى الشروط الإنسانية للكتابة. سماها كامو «الفن» لشدة ما هي مرهفة، واشترط لها شيئين: الحق والحرية.