مارك وايتهاوس
TT

نظرة متفحصة على تقرير الوظائف الأميركية

هل نجح انتخاب دونالد ترمب في إعادة الثقة في الاقتصاد الأميركي، بحيث منح الشركات ثقة أكبر لخلق مزيد من الوظائف؟ بالنظر إلى أحدث البيانات الصادرة في هذا الشأن، ربما تكون الإجابة نعم؛ خاصة إذا كنت تعمل في قطاع التعدين أو الأعمال الميكانيكية أو التشييد والبناء.
من جهته، حمل تقرير الوظائف لفبراير (شباط) أنباء إيجابية بالنسبة للرئيس ترمب؛ ذلك أن جهات التوظيف غير الزراعية أضافت ما يقدر بـ235 ألف وظيفة، ليرتفع المتوسط على مدار ثلاثة أشهر إلى 209 آلاف وظيفة؛ أي ما يزيد على المطلوب لتغطية النمو الطبيعي في قوة العمل. أما معدل البطالة فقد تراجع بنسبة 0.1 في المائة ليستقر عند 4.7 في المائة. وفي إشارة على أن الطلب على العمالة تجري ترجمته إلى زيادة في الأجور، زاد متوسط الأجر على ساعة العمل عن عام مضى بمعدل 2.8 في المائة، ليتفوق بذلك على متوسط وتيرة الزيادة على امتداد السنوات العدة الماضية.
ونجحت بعض الصناعات في استعادة عافيتها على نحو ملحوظ؛ ما أسهم في خلق مزيد من الوظائف. وجاء التحسن الأكبر في قطاع التعدين، خاصة المجالات المرتبطة بالفحم مقارنة بالنفط والغاز الطبيعي؛ ذلك إنه خلال ثلاثة أشهر حتى فبراير الماضي، ارتفعت معدلات التوظيف بمعدل سنوي بلغ 9.2 في المائة، مقارنة بتراجع سنوي بلغ 4.5 في المائة خلال السنوات الخمس السابقة. والملاحظ أن قطاع التشييد، بما في ذلك مجالات الهندسة الثقيلة والمدنية، ارتفعت معدلات التوظيف فيه بمعدل 6.7 في المائة، بارتفاع عن 3.9 في المائة خلال السنوات الخمس السابقة. ومن بين القطاعات الأخرى التي شهدت تطوراً إيجابياً الآلات والتمويل.
والتساؤل هنا: ما الأمر المميز بخصوص هذه القطاعات؟ من بين التفسيرات المحتملة أن ثمة توقعات بجني هذه القطاعات تحديداً مكاسب من وراء سياسات ترمب. كان الرئيس قد وقع بالفعل قرارات تخفف القيود المفروضة على العاملين بمناجم الفحم، وتعهد بإحياء إنتاجها. كما أن خطته الرامية إلى استثمار تريليون دولار في طرق وجسور وعناصر أخرى من البنية التحتية لا بد أنها عادت بالنفع على قطاع التشييد (وإن كان طقس فبراير الدافئ ربما لعب دوراً هو أيضاً)، إضافة إلى أن بعض جهات التصنيع المحلية يمكن أن تستفيد - على الأقل على المدى القصير - من جهوده لزيادة الصعوبات أمام الواردات. في مجال التمويل، تعهد بمراجعة القاعدة الخاصة بنصائح التقاعد التي أثارت انتقادات واسعة داخل الصناعة.
ومع هذا، تبقى هناك بعض عناصر التقرير التي يصعب تفسيرها، مثل النمو القوي في التوظيف بمتاجر الملابس والإكسسوارات، مقارنة بإجمالي النمو الضعيف في الوظائف بقطاع التجزئة. كما أن جهات توفير الخدمات، والتي تشكل أكثر من ثلثي إجمالي جهود التوظيف، خلقت وظائف بوتيرة أبطأ عما كان عليه الحال في أعوام سابقة، ما يوحي بأن مشاعر التفاؤل لم تمتد بعد لمساحات واسعة على الصعيد الاقتصادي.
المؤكد أن الوقت لا يزال مبكراً، ذلك إن عمر رئاسة ترمب لم يتجاوز بضعة أشهر؛ وهي فترة غير كافية لتنفيذ أجندة اقتصادية. ولكي تنتشر مثل هذه الثقة التي يعكسها التقرير إلى مساحات أوسع، سيتعين على ترمب اتباع سياسات ناجحة وتنفيذها على النحو الأمثل، مثل توجيه استثمارات لمجال البنية التحتية، واتخاذ إجراءات حكيمة لتيسير عمل المصارف وتقويتها، الأمر الذي ربما يعود بالنفع على الاقتصاد في مجمله، بدلاً من قطاعات بعينها على حساب البيئة أو الاستقرار المالي.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»