راجح الخوري
كاتب لبناني
TT

{النمر السعودي}

جولة خادم الحرمين الشريفين على الدول الآسيوية، ترسم خطاً بيانياً فارقاً في السياسة والاقتصاد، وسيكون لها انعكاساتها الإقليمية وظلّها على واقع التوازنات الدولية؛ لأن تأطير التعاون مع ما يسمى «النمور الآسيوية»، يساعد في توسيع مروحة الحضور السعودي، وفي إطلاق العنان لـ«النمر السعودي» الذي يرسي أسس مرحلة جديدة تقوم على مزاوجة الأصالة بالتحديث والتكنولوجيا كما تهدف «رؤية 2030».
الجولة التي تشمل 7 من دول الشرق الناهض الآسيوية تأتي في الإطار الذي هندسه الملك سلمان دائماً ومنذ كان ولياً للعهد، والذي حرص ويحرص على نسج المملكة شبكة من العلاقات الدولية الواسعة، على أساس من التنوّع والتوازن، وبما يخدم المصالح السعودية ويعمّق الروح التعاونية المتبادلة، وينعكس إيجاباً على العلاقات الاقتصادية والتفاهم السياسي، ويسهم تالياً في ترسيخ الأمن والاستقرار على المستويات الإقليمية والدولية.
الجولة جاءت على مفترقات عميقة ومهمة، ليس على المستوى السعودي فحسب الذي يشهد مرحلة نهوض حداثي وتطوير تكنولوجي تفتح الأبواب أمام «رؤية 2030» التي أثارت إعجاب العالم، بل أيضاً على المستويات المتصلة بالتطورات العميقة والمثيرة على المستوى الدولي، وفي سياق التوازنات الاستراتيجية المتبدلة بين القارات.
وفي هذا الإطار من الضروري النظر إلى المردود السياسي والاقتصادي والتعاوني لجولة خادم الحرمين الشريفين، في ضوء كل الكتب المحترمة والدراسات والتحليلات، التي تتحدث منذ عشرة أعوام وأكثر عن «القرن الآسيوي»، ودور الصين واليابان على خريطة التوازنات الاقتصادية الدولية، وكذلك في ضوء الحديث المتكرر الآن في أكثر من عاصمة دولية عن معالم «ما بعد الغرب».
ولأن المملكة مرجعية عاصمة لها دائماً دورها المحوري الفاعل والقائد على المستويات الدينية السياسية والاقتصادية، وهو ما يعطيها فرادة فاعلة في التوازنات الإقليمية والدولية؛ ذلك أنها بلا ريب بوابة العالم للعبور إلى الدول الإسلامية والعربية والخليجية، كما أنها بوابة الإسلام والخليج والعرب للعبور إلى العالم.
ليس هناك من يعرف هذه الحقائق ويحرص على أهمية تأطيرها وترسيخها وتقويتها مثل خادم الحرمين الشريفين، الذي بكّر في إطلاق وتحليق الجناح السعودي عندما كان ولياً للعهد شريكاً أساسياً في القرار، حيث حرص على هندسة شبكة شاملة للعلاقات مع الشرق والغرب، فزار بين أبريل (نيسان) من عام 2012 وعام 2015 أحد عشر بلداً بينها باكستان واليابان والهند وأستراليا والمالديف، إضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا وتركيا.
جولة الملك سلمان التي تشمل سبع دول آسيوية، بعضها يعتبر الأسرع نمواً في الأسرة الدولية، ستعزز علاقات الرياض وتعمّق أسس شراكة استراتيجية وازنة ومهمة مع ماليزيا وإندونيسيا اللتين تشاركان أصلاً في «تحالف الدول الإسلامية» الذي تقوده الرياض، ومع الصين واليابان اللتين تشكلان قاعدتي الجسر الصناعي والاقتصادي والتكنولوجي الذي يقوم عليه ما يسمّى «القرن الآسيوي»، إضافة إلى جمهورية المالديف، ثم المملكة الأردنية الهاشمية، حيث يشارك في القمة العربية، التي تعقد على منعطفات حاسمة في ظل التطورات المتسارعة في المنطقة من موريتانيا إلى اليمن.
لكن ما يؤكد على أهمية الأطر الاستراتيجية لهذه الجولة التي ستوسع من آفاق التعاون الاقتصادي والسياسي، طبيعة المملكة وما تمثّله من ثقل مرجعي، ليس لأنها تجلس في مقعد متقدم وشريك مميز في مجموعة العشرين الكبار فحسب، أو لأنها تحتلّ المركز التاسع على المستوى العالمي من حيث الاستقرار الاقتصادي، بل لأن لها دور حجر الرحى كمرجعية دينية سياسية اقتصادية، وهو ما يعطيها دوراً ووظائف حاسمة وأساسية من شأنها أن تساعد في ضمان التوازنات، التي تحفظ الاستقرار على المستويين السياسي والاقتصادي، وفي إطار دعم علاقات التعاون الدافئة بين الدول.
كان من الواضح والمهم أن الخطاب الذي حمله خادم الحرمين الشريفين إلى «الشركاء الآسيويين»، ارتكز على ثلاثة ملفات أساسية واسعة متشعبة وحاسمة، وهي:
أولاً: ملف العلاقات الثنائية مع الدول التي زارها، والعمل على تعميق آفاق التعاون القائم، والسعي إلى بلورة آفاق جديدة للتعاون على قاعدة تبادلية حداثيّة نشيطة، تركّز في شكل خاص على عناصر التعليم والتقدم التكنولوجي، وعلى تنويع أبواب الإنتاج والعمل في ضوء التقدم التقني والمعرفي.
ثانياً: محاربة الغلو والتطرف والمضي في الحرب على الإرهاب ومكافحة الفكر الإرهابي، الذي يحاول أن يختطف الإسلام ويشوّه صورته ويضعه ضد العالم، والمملكة التي كانت دائماً مستهدفة من قبل الإرهابيين كانت الأنجح والأقدر في محاربة الإرهاب. وفي هذا السياق، يؤكد رئيس الوزراء الماليزي محمد نجيب عبد الرزاق أن المحادثات مع الملك سلمان تعزز تعاون البلدين في محاربة الإرهاب.
ثالثاً: ضرورة ضبط العلاقات الإقليمية والدولية على قاعدة من التعاون والاحترام، وعدم التدخّل في شؤون الدول الأخرى، وفي هذا قال خادم الحرمين الشريفين خلال زيارته إلى ماليزيا إن «التطرف والإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية للدول تتطلب منا الوقوف صفاً واحداً»، وللمصادفة فقد صدر تقرير أوروبي يوم الأربعاء الماضي يؤكد أن إيران تتدخل في شؤون 14 بلداً مسلماً، وترسل الأسلحة، وتشكّل الخلايا للتخريب وإثارة المشاكل، وشن الحروب كما يحصل مثلاً في اليمن.
عندما تضع السعودية أمام ناظريها تلك الدول الناجحة التي يطلق عليها اسم «النمور الآسيوية»، تبرز ملامح «النمر السعودي» الذي يطل من «رؤية 2030» التي كانت في صميم محادثات الملك سلمان، والتي ستكرّس للمملكة دوراً حيوياً في شبكة العلاقات الاقتصادية والسياسية مع دول العالم، وهو دور له انعكاساته في الإقليم، ومن الواضح أن الصين واليابان وماليزيا وإندونيسيا تتحفز ليكون لها مكان في ورشة الرؤية الطموحة 2030، التي تخطط لقفزة حداثية ونوعية في مجالات الصناعات الاقتصادية والموارد التي لا تقتصر على النفط.
والمعروف أن ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي يقف وراء هذه الرؤية الطموحة، كان قد قام بسلسلة من الزيارات المهمة إلى دول في الغرب والشرق، لشرح أبعاد هذه الخطة التي ستطرح في السوق العالمية أكبر اكتتاب في التاريخ، والتي كتب عنها دنيس روس في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي بعد زيارته الرياض، مقالاً نشرته «واشنطن بوست» قال فيه: «هذه هي السعودية الجديدة التي فاجأتني».