مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

هذا ما كان وسلامتكم

لا أدري أين هي ذاهبة (أوروبا الغربية) بالذات، ومن أول ما ضربتها موجة (الثورة الفرنسية) قبل أكثر من قرنين، وأعقبتها (الثورة البلشفية) بعد الحرب العالمية الأولى، وداهمتها بعد الحرب العالمية الثانية حركات وفلسفات الوجودية والعدمية وهي تترنح، وأصبح القابض على (الدين) هناك كالقابض على (الجمر) والعياذ بالله.
وها هي كنيسة (سان جوزيف) الهولندية الواقعة في أطراف مدينة الرهم التي تقرع أجراسها لعدة قرون، اعتزلت جوقتها التراتيل منذ أكثر من عشر سنوات فصارت بناية مهجورة وتحولت إلى ساحة تزلج ومرح.
وهي واحدة من مئات الكنائس المعروضة للبيع في كامل أوروبا الغربية مما يكشف تراجعاً في نسب التدين، إذ تقول الإحصائيات إن قرابة 20 كنيسة تغلق أبوابها سنوياً في المملكة المتحدة في حين أوردت السجلات الرسمية في الدنمارك إغلاق قرابة مائتي كنيسة أبوابها مع حلول منتصف عام 2015، بينما أغلقت 515 كنيسة في ألمانيا خلال الأعوام العشرة الأخيرة، وأغلقت ثلثا كنائس هولندا أبوابها.
الكنائس المهجورة في أوروبا اختلف مصيرها، ففي هولندا مثلاً تحولت إحدى الكنائس إلى سوبر ماركت وأخرى لمتجر زهور والثالثة لمتجر كتب ورابعة لنادٍ رياضي، وهناك كنيسة تحولت إلى حانة، يقول صاحبها إنه لم يستمع إلى أي شكوى بخصوص ذلك.
وفي الوقت الذي يكافح فيه البعض من أجل الإبقاء على أسوار كنائسهم يبدو البعض الآخر أقل اهتماماً.
التراتيل الروحانية التي كانت تنبعث من بعض الكنائس الأوروبية حل صوت الأذان محلها في مشهد أحزن بعض المسيحيين وأثار سعادة المسلمين وسط توقعات ببلوغ عدد المسلمين في أوروبا (58 مليوناً) بحلول عام 2030 – أي ما يعادل 8 في المائة - من إجمالي سكان القارة الأوروبية.
معطيات كثيرة تشير إلى تغير بيّن في المشهد الديني، فأوروبا التي رعت المسيحية لقرون وطوعتها لخدمة أجندتها السياسية أضحى عدد المسلمين فيها رقماً صعباً ربما سوف يتعاظم مع الوقت.
وآخرها كنيسة في ألمانيا تملكها امرأة عجوز، عرضتها للبيع في مزاد علني، وتهافت عليها الشراء من كل حدب وصوب ابتداء من أصحاب المراقص وانتهاء بأصحاب الحانات، ورفضتهم كلهم، لأنها على حد قولها لا تريد أن تبيعها إلاّ لأصحاب ديانات لا يذكر فيها غير اسم الله.
ورسا المزاد في النهاية على رجل أعمال كويتي أراد أن يحولها إلى مسجد، وجرى استبيان لسكان الحي من حولها، ووافق أغلبهم على ذلك، وكان شرطهم الوحيد أن لا يكون في المسجد (ميكروفونات)، لأنهم على حد قولهم، فيهم الطفل والعجوز والمريض والعاجز، ولا يريدون إزعاجهم – ومعاهم الحق.
وهذا ما كان، وسلامتكم.