حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

تحامل واستفزاز

أثار الدكتور عدنان إبراهيم، فلسطيني غزاوي مقيم في فيينا، كثيراً من القضايا الجريئة في مجال الفكر والعقائد والفقه وحتى السياسة، مستفيداً من تفرغه كونه باحثاً جلداً ذا حافظة قوية ولسان طلق متدفق، ولكن خطابه يتسم بالحدة والحماسة وتسفيه آراء المخالف وطرح منزوع من دسم التلطف واللين في القول مما جعله يحصد متابعات واهتماماً ومداولات ولقاءات فضائية أثمرت جماهيرية منقسمة عليه بين رافضة له بشدة ومدافعة عنه بقوة.
وليس مجال الحديث هنا التفصيل في تمحيص الجدل حول ما يرمي به البعض الدكتور عدنان إبراهيم وانتقاد أفكاره واتجاهاته، فقد استمعت لأحاديث مطولة للدكتور عدنان: خطب ومقابلات إعلامية، ولم أجد ما يثبت هذا التحول. نعم للدكتور عدنان آراء «مستفزة» في عدد من الرجال الأفذاذ، وتغول جريء في نبش تاريخ النزاعات منذ نشأت، وله أيضاً هجوم حاد على الدولة الأموية، لكنه أيضاً يتمايز في تناول أفكاره. وعلى أي حال ليس من المفيد ولا المهم أن نتناول بالحديث انتماءه المذهبي.
الذي يهمنا هنا في موضوع الدكتور عدنان إبراهيم هو موقفه «الرخو» من التغول والتوغل الإيراني في المنطقة؛ التوغل السياسي والعسكري والمذهبي في العراق وسوريا ولبنان واليمن وعدد من دول الشرق الأوسط وأفريقيا، ولا يمر ذكر الخميني على لسانه إلا مصدراً بلقب «الإمام»، ويصف دولة الخميني بالمتسامحة ويقول بأنها سمحت لعشرات الكنائس النصرانية بنشاطاتها الدينية، وقرع أجراسها يتردد صداه في المدن الإيرانية، والكنيس اليهودي أيضاً موجود ومحترم في العاصمة طهران، لكن الدكتور عدنان إبراهيم يغفل أو يتغافل عن الحديث عن غياب التسامح مع سنة إيران المحرومين من وجود مساجد لهم في العاصمة الإيرانية ولو مسجداً واحداً.
ويريد الدكتور عدنان أن يقنعنا أن فضح الاحتلالات الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط والتدخل المذهبي في أغلب الدول العربية والإسلامية إن لم يكن كلها، وكشفها وتعريتها لا يعدو أن يكون انغماساً في الوحل الطائفي، ويضع الصراع العربي الإيراني في كفة متساوية من حيث الجرائم والانتهاكات، ويمر مروراً سريعاً «مؤدباً» جداً في الحديث عن الاحتلال الإيراني للعواصم العربية بغداد ودمشق وصنعاء، وتحريضاتها الطائفية في حق هذه الشعوب وما تسببه من قتل وتهجير لمئات الألوف، وتهدأ لغته الحادة وهو يتحدث عن ولوغ «حزب الله» اللبناني في الدم السوري، ويصف جرائم الحزب وحمامات الدم التي ارتكبها الحزب الطائفي على الثرى السوري على أنها نتيجة لضغوطات ومعادلات سياسية معقدة. والدكتور عدنان مستعد أن يسهب في سرد التفاصيل حول الدولة الأموية، أي أن نبش تاريخ مضى عليه أكثر من ألف وثلاثمائة عام أولى عند الدكتور عدنان إبراهيم من الحديث عن الدفاع عن الشعوب التي دمرتها آلة التخريب الخمينية، ثم يلوم الدكتور عدنان من اتهمه بوجود ريبة في علاقته مع المنظومة الخمينية.