أليس مستغربًا أن يشكل النظام الإيراني تهديدًا لجيرانه العرب وهم «إخوة في الإسلام»، كما أكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف؟!
إذا كان ثمة «سوء فهم» لسياسة إيران تجاه دول الخليج - ولا يقول الرئيس الإيراني حسن روحاني «سوء تفاهم» - فهو يعود، في رأيه، إلى «ظاهرة نفسية» وصفها، عشية زيارته لمسقط والكويت، بـ«فوبيا إيران والشيعة».
لافت أن تسعى إيران، في هذا المنعطف الدقيق في الشرق الأوسط، إلى طمأنة دول الخليج العربية - «الإخوة في الإسلام» - حيال نياتها تجاههم. ولكن لكل ظرف أحكامه، فالرئيس الأميركي الانكفائي، باراك أوباما، ولّى عهده، وخلفه في البيت الأبيض، دونالد ترمب، رئيس استهل عهده بمساواة الإرهاب الشيعي (الإيراني) بالإرهاب السني (الداعشي)، ورئيس أذنه وقلبه أيضًا مفتوحان على التحريض الإسرائيلي على برنامجها النووي.
يقول مثل لبناني: «أحكيكي يا جارة لتسمعي يا كنة». والكنة في هذا السياق هي الولايات المتحدة، ما يوحي بأن ما تحاول إيران إعادة صياغته في هذه المرحلة ليس سلوكها تجاه دول الخليج، بل أسلوب تعاملها مع الإدارة الأميركية الجديدة، فمنذ أن صنفت إيران نفسها دولة «مصدرة» لثورة «إسلامية» (بعنوانها العريض)، و«شيعية» (في تطبيقها الميداني)، وهي تعتبر دول الخليج - والشرق الأوسط عامة - السوق الطبيعية لصادراتها «الثورية».
لم يبدر من النظام الإيراني، ولا حتى من الرئيس المعتدل حسن روحاني، ما يوحي باحتمال تخلي النظام الإيراني عن ممارسة مقاربته الازدواجية لدول الخليج، وهي مقاربة تذكر بأساليب الاتحاد السوفياتي السابق، في توسله بسلاح «آيديولوجي» - وإن كان مذهبيًا في الحالة الإيرانية - وبعرض موسمي «للعضلات العسكرية».
من الصعب توقع انحسار حالة الحذر العربي من نيات النظام الإيراني، قبل أن تقترن حملة «حسن النيات» بتغيير جدي في سلوك النظام. ولكن حتى في حال إبداء إيران استعدادها لتعديل سلوكها، لن تستطيع تحييد الولايات المتحدة وفي البيت الأبيض رئيس آلى على نفسه الإطاحة بمعظم «إنجازات» سلفه، باراك أوباما، إن لم يكن كلها، وخصوصًا الاتفاق النووي الذي يعارضه جهارًا.
من الطبيعي أن تكون طهران مدركة أن المرحلة الراهنة في الشرق الأوسط ليست مرحلة مواجهة مع الدول العربية، بقدر ما هي مرحلة مواجهة مع الولايات المتحدة، ومن ورائها إسرائيل، فهل تعتقد طهران أن توقفها عن التدخل في شؤون دول الخليج من شأنه أن يخفف من حرارة العداء الأميركي لنظامها.
لا يتمنى أي عربي، كائنًا ما كان مذهبه، أن تتعرض إيران لاعتداء أميركي تكون المستفيد الأول والأخير منه إسرائيل.
ولكن بيت القصيد اليوم ليس في المواجهة الإيرانية - العربية، بقدر ما هو في المواجهة الإيرانية - الأميركية التي يسعّرها قاسم مشترك بين الدولتين، هو الطابع «الاستكباري» الذي تأخذه إيران على دبلوماسية الولايات المتحدة، والذي غفلت عن تلمسه في دبلوماسيتها هي.
على سبيل المثال لا الحصر، أليس احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى، وطنب الصغرى وأبو موسى) «استكبارًا» يلامس استكبار دول الاستعمار الغربية في عز مجدها، في القرن التاسع عشر؟
أو ليس استكبارًا أيضًا أن تتبجح طهران رسميًا، العام الماضي، بأن نفوذها السياسي تخطى كيانها الجغرافي، ليمتد إلى أربع عواصم عربية - بينها صنعاء (عبر الحوثيين) وبيروت (عبر الضاحية الجنوبية)... والحبل على الجرار؟!
حبذا لو كان الحذر العربي من سياسات إيران وطموحاتها الإقليمية مجرد «فوبيا»... لأمكن عندئذ إزالته على الطريقة العشائرية، أي بلقاء «تبويس لحى» بين «الإخوة في الإسلام».
8:18 دقيقه
TT
ظاهرة نفسية... فقط
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة