تمضي الدبلوماسية السعودية قدمًا، في ركب الأزمات الإقليمية والدولية، لإيجاد حلول ومقاربات خلاقة لها، ترضي الأطراف كافة. القوة الدافعة لتقدمها بخطوات راسخة حكمة القيادة في المملكة العربية السعودية، التي تنتهج خطًا مدروسًا بعناية فائقة ينطلق من أسس متينة قوامها الدين الإسلامي الحنيف والقيم العربية الأصيلة. ونضيف إلى ذلك كفاءة فارسها الوزير عادل الجبير، الذي راكم خبرات نوعية على مدى ثلاثة عقود كدبلوماسي محترف أمضاها في واشنطن، أضخم مطبخ للعلاقات الدولية.
وزارة الخارجية السعودية لها إرث عريق من التقاليد الدبلوماسية، يعود إلى تاريخ تأسيسها عام 1930م كأول وزارة في المملكة العربية السعودية. وتولاها في حينه الأمير - الملك - فيصل بن عبد العزيز، ثم خلفه إبراهيم بن عبد الله السويل، رحمه الله، إلى أن عادت حقيبة وزارة الخارجية مرة أخرى للملك فيصل حتى وفاته، رحمه الله، عام 1975م، ليعقبه ابنه الأمير سعود الفيصل، رحمه الله، حتى أبريل (نيسان) 2015م، حيث شغل عادل بن أحمد الجبير هذا المنصب المرموق.
لا تغفل الدبلوماسية السعودية عن الفخاخ التي نصبت لها في ممرات وطرق شتى، وهي لا تقوم فقط على تفكيكها وإبطال مفعولها بمهارة، بل تكشف عن هوية من نصبوها في المحافل الدولية بكل شفافية، ليدينهم العالم ويتقي شرهم وخبثهم، وأذكر هنا المؤامرة التي حاكتها الحكومة الإيرانية في عام 2011 لاغتيال السفير السعودي في واشنطن آنذاك، عادل الجبير، وأطلق عليها تسمية «عملية التحالف الأحمر»، وتم القبض على المواطنين الإيرانيين غلام شكري، ومنصور أربابسيان، ووجهت لهما تهمة من محكمة أميركية بالتآمر لقتل عادل الجبير! وعواقب سياسة طهران الفجة ستكون وخيمة على المنطقة والعالم في حال لم تتصد لها المملكة بمكانتها الروحية أولاً وثقلها الاقتصادي والسياسي ثانيًا.
وفي إطار تنشيط الدبلوماسية السعودية، أطلقت وزارة الخارجية في الصيف الماضي خطتها الاستراتيجية، تماشيًا مع برنامج التحول الوطني 2020، ومواكبة لنمو المملكة اللافت على الساحة الدولية. وتقدم الخطة حزمة من المبادرات الرائعة وآليات تنفيذها، أبرزها تعزيز الدبلوماسية العامة وتفعيل الشراكات الإقليمية والدولية لخدمة اقتصاد الوطن، رعاية المواطنين وحماية مصالحهم في الخارج، إبراز صورة المملكة المشرقة عالميًا. ولا تغفل الخطة الاستراتيجية إعادة هيكلة الوزارة بما يلائم نمط العلاقات الدولية المعاصرة التي تتسم بحركة بالغة السرعة.
كما درجت وزارة الخارجية على عقد اجتماع كل ثلاث سنوات لرؤساء بعثات المملكة في الخارج، ويصادف الأسبوع القادم عقده في نسخته الرابعة تحت عنوان «رسالة السفير»، التي ستكون استثنائية بامتياز، للظروف التي تمر بها المنطقة والعالم.. كما سيخصص حيز مهم من الاجتماع لمناقشة شؤون السعوديين في الخارج، الذين أصبحوا أكثر انخراطًا في أنشطة السفارات، لما تقدمه لهم من خدمات متعددة تعكس حرص حكومة المملكة على مواطنيها في الخارج، امتدادًا لما تقدمه لهم في الداخل. هذا الاجتماع سيضفي زخمًا وحيوية على الدبلوماسية السعودية، هي في أمس الحاجة إليهما، وهو ما سيزيدها توهجًا وألقًا. ليكون هذا التوهج ظاهرة محاكاة لما تعيشه المملكة هذه الأيام، أجواء مفعمة بالتفاؤل في ظل الزخم المصاحب لانطلاق رؤية 2030 الواعدة.
* كاتب ودبلوماسي سعودي