مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

آسف على هذا الموضوع

لا أظن بل أجزم أنه ليس هناك عاطفة نبيلة في الدنيا كلها أروع من عاطفة الأمومة، وأحسد كل من تمتعوا أو لا يزالون يتمتعون بها.
والأمومة التي أقصدها ليست حكرًا على بني البشر وحدهم، ولكنها شاملة لكل الكائنات التي تشاركنا الحياة والعيش على ظهر (أمنا) التي يقال لها الأرض.
واقرأوا معي هذه الحادثة الحقيقية الموثقة التي حصلت:
فهناك كلبة اسمها (كوين) – ولا أستبعد أن لها من اسمها نصيبًا - فهذه الملكة ولدت ستة من الجراء، دون رغبة من صاحبها الأحمق، وعندما اكتشف هو ذلك، ما كان منه إلا أن يضعها في كيس مع حجر كبير ويحكم وثاقه، ثم يلقيه في منتصف الجسر حيث الماء يكون أعمق.
كل هذا كان يجري أمام عين الكلبة الأم التي تراقب هذا المشهد أو الجريمة من بعيد، وبعد أن أنهى مهمته التي لا تنتمي للإنسانية بأي صلة، غسل يديه ثم دخل إلى منزله مرتاح الضمير.
وما إن أفاق في الصباح وفتح (الكراج) ليركب سيارته للذهاب إلى عمله، وإذا به يشاهد الكيس ممزقًا عند جدار المنزل الخارجي والجراء ترضع من أثداء أمها التي ينزف الدم من فمها.
وإلى الآن لا أحد يدري كيف استطاعت الأم (كوين) أن تنقذ أبناءها.. هل غاصت في الماء خلف الجراء يا ترى؟! أم أن الكيس قد طفا وقتًا كافيًا أتاح لها أن تسبح إلى منتصف النهر ثم تعود به؟! ولكن العجب كل العجب أنها أنقذت جراءها قبل أن تغرق، ومن أين لها تلك القوة الجبارة لكي تحملها في كيس مبلول، وتسير به مسافة ثلاثمائة متر قبل أن تمزقه بأنيابها وتخرجها؟!
كان هذا هو موقف الأم الأنثى، أمّا لو كان والد الجراء الذكر في نفس الموقف، فإنني واثق بأن (الكلب ابن الكلب) سوف ينظر لأبنائه من بعيد، ولن يتحرك قيد أنملة لإنقاذها.
وما إن شاهدهم ذلك الرجل المعتوه حتى جُنَّ جنونه، واتجه لهم ليعيد فعلته، غير أن الأم تحولت بقدرة قادر إلى وحش مفترس ونسيت الصحبة، وهجمت عليه ومزقت ولوثت ملابسه بالدم، ولولا أنه تدارك نفسه ودخل منزله، لكانت قد قضت عليه، وعندما سمعت زوجته تلك الجلبة أتت لتستطلع الأمر، وما إن عرفت الحقيقة حتى وقفت مع الكلبة ضد زوجها، بل إن الموضوع بينهما تطور إلى أن رفعت عليه دعوى تطلب الطلاق، وحكمت لها المحكمة بما أرادت، وفوق ذلك حكمت لها بنصف ثروته.
آسف لأنني طرحت عليكم اليوم موضوعًا محزنًا ليس فيه ما يبهج، وأنتم لستم بناقصين، ففيكم ما يكفيكم.