مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

أحلام العصافير

من الكلمات التي عجزت عن صحة كتابتها إملائيًا، وهي جوهرة من المجوهرات، فهل أكتبها يا ترى: (الماس) أو (الألماس) (الماز) أو (الماظ)... الواقع أنني احترت في كتابتها، ولكنني أخيرًا استقررت على كلمة الألماس، بعد أن استمعت جيدًا إلى فيروز وهي تغني: (يلبأ لك شك الألماس)، وكذلك لمحمد عبده عندما غنى: (الماااااسة تلبس الماسة).
والحقيقة أن هذا الحجر الكريم لم يكن يعني لي بشيء، إلى أن ذهبت في زيارة أحد أقربائي في مزرعة له بالقصيم، وفي اليوم الثاني ركبت معه في سيارته الجيب وارتقينا إحدى الهضاب، ونزل وفي يده كأس زجاجية، وقال لي: تعال لأريك شيئًا لا يخطر لك على بال، وسرت معه وهو يحدق بالأرض، وينبش بأصابعه بعض الحصى، ثم يلتقط بعض الأحجار الصغيرة التي لها لمعان الزجاج قائلاً لي: إنني أظن أن هذه نوع من الماس، ولكي يؤكد كلامه ما كان منه إلا أن يشرخ الكأس بأحد تلك الأحجار فانكسرت معه، وقال لي: إن حجرًا عاديًا لا يمكن له أن يفعل ذلك... عندها لعبت مئات الفيران بعقلي، وكأن ربي سبحانه قد فتح لي ليلة القدر دون أن أحتسب.
شكرته وتظاهرت بعدم المبالاة، وأخذت مجاملة له ستة من تلك الحجارة، ولم أنم في تلك الليلة من شدة التفكير في هذا الكنز الذي معي، وكنت أنوي أن أمكث عنده أسبوعًا، ولكنني غيرت رأيي، وفي اليوم الثاني استأذنت منه بحجة مصطنعة، وركبت أول طائرة، وأنا أغني: «وينك يا درب جدة».
وما إن وصلت لم يردني غير الذهاب إلى صديق جواهرجي، وأعطيته الحجارة، راجيًا منه أن يكشف عليها ويعطيني تقريرًا وافيًا عنها، ومرت ثلاثة أسابيع لم يتصل بي، فاضطررت أن أهاتفه مستفسرًا عن النتيجة، فصدمني وهو يضحك قائلاً: إنها (فالصو)، فقلت له مستاءً: إذن أرجوك أعدها لي، فقال وقد ازداد ضحكه: إذا كنت تريدها فتعال خذها من (صندوق الزبالة)، واستدرك قائلاً: وإلا أحسن لا تجي لأن الفراش قد نضف الصناديق (هاهاها)، ثم أغلق الخط بوجهي.
وما زالت في قلبي حسرة، وفي نفسي شك من ذلك الصديق أنه قد خدعني، أو بمعنى أصح أنه سرقني.
والآن أصبح أملي كله الآن معقودًا على كوكب اسمه: (كانكري 55)، وقدر معهد الفيزياء الفلكية في فرنسا أن ثلث كتلة ذلك الكوكب كلها من الماس، وهي تعادل ثلاثة أمثال كتلة الأرض.
ومن أول ما قرأت ذلك الخبر، أصبحت أحلامي (العصفورية) تتوق إلى أن يكون ذلك الكوكب هو مسكني الأخير، غير أنني للأسف أصبت بالإحباط عندما عرفت أن درجة حرارته هي (1648)، وأنه يبعد عن الأرض بـ(40 ألف) سنة ضوئية.. ويا لها من مسافة قصيرة.