محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

الكذب... كرة ثلج!

يقول الفيلسوف نيتشه: «لست منزعجًا لأنك كذبت عليّ، لكنني منزعج لأنني لن أصدقك بعد هذه المرة». وهذه المرارة تتعاظم حينما نكتشف أن هناك من كان يكذب علينا لسنوات كثيرة، لا سيما إذا كان قائدًا محبوبًا أو صديقًا مقربًا.
مشكلتنا جميعًا مع الكذب أننا ننسى أن «معظم النار من مستصغر الشرر»، وهي تلك الكذبات الصغيرة التي سرعان ما تكبر فتصبح طبعًا متأصلاً فينا. الباحث في قسم الطب النفسي التجريبي في جامعة لندن نيل غاريت يقول: «إنها المرة الأولى التي يثبت فيها العلماء» أن «التصرفات غير النزيهة تتعاظم حينما تتكرر» ومنها الكذب. ونفهم من هذا الكلام أن الكذبة الصغيرة تتدحرج مثل كرة الثلج حتى تكبر وتكون تداعياتها أخطر. وتبين أيضًا للعلماء أن الكاذبين «فيما يتعلق بالخيانة، أو بالغش في المسابقات الرياضية، أو بتزوير الحقائق العلمية أو البيانات المالية»... قد «بدأوا بكذبات صغيرة ثم انزلقوا لما هو أعظم»، وفق الباحث تالي شاروت من جامعة لندن.
وهناك من يدفع الناس إلى الكذب لكثرة فضوله أو تسلطه، وهذا ما يدفع نحو ثلث الرجال إلى التظاهر كذبًا أمام الآخرين، كمسؤوليهم، ليوهموهم أنهم ما زالوا يتذكرون جيدًا المهام التي سبق أن أوكلت إليهم، فيما قال ربع النساء فقط إنهن يفعلن هذا، وذلك بحسب استطلاع للرأي أجرته مجلة «النجاح» (Success) على مستوى الولايات المتحدة الأميركية. ولذا قال فيكتور هوغو: «يكره المرء أولئك الذين يضطر إلى الكذب أمامهم». وأتفق معه، لأن المرء يكذب ليخفي حقيقة مرة.
ويكذب البعض، لأنه يخشى المواجهة، أو لاعتقاده أن الكذب يرمم قصوره. ونسي أو تناسى أنه بات يدمن الكذب حتى صار «يضيع له صدق كثير» كما تقول العرب. وبدأت الناس تلجأ إلى الكذب، لأنه كما قال جورج أورويل: «في زمن الخِداع يكونُ قول الحقيقة عَملاً ثوريًا». وحينما يتفشى بين الناس عدم كتمان السر يلجأ البعض مضطرًا إلى الكذب مثل ذلك القيادي الذي أخبرني أن يهمس، سرًا، في أذن موظف برغبته في الاستقالة، مثلاً، فإذا انتشرت يدرك أن هذا الزميل ليس أهلاً لثقة البوح إليه بأسراره.
ويقول الماليزيون إن «الكذب كالرمل: يبدو ناعمًا عندما نتمدد عليه، وثقيلاً حينما نحمله». ونقول نحن ببلاغة إن «حبل الكذب قصير».

[email protected]