د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

ليبيا بين الأوتوقراطية والديمقراطية

لعل البدء في التأطير السياسي، وبناء المؤسسات وإعداد مشروع نهضوي، ضمن استحقاقات الانتقال من «الثورة» إلى الدولة، هو النجاح والأكثر فائدة لليبيا، بدلاً من الخطب الإنشائية التي في أغلبها فشلت في استقراء الأزمة الليبية، بل وتعدتها إلى إذكاء النعرات الجهوية والقبلية، وبقيت مشاريعها للنهوض بالدولة مجرد مشاريع خجولة في جلها منسوخ أو مقتبس من الغير.
لا ينبغي التوقف طويلاً عند الأسباب ولا محاولة تجاهل المشكلات الموروثة من نظام استبدادي دون الاكتراث بحلها أو الوقوف عندها، مما قد يشكل عائقًا يدفعنا للوقوف عند مفترق طرق، ونحن نمر بمرحلة مخاض عسير يضعنا أمام عتبات حرب أهلية وتشظٍ للبلاد، في ظل اصطفاف سياسي عقدي بالدرجة الأولى، يحمل انتماءات خارج جغرافيا الوطن.
الليبيون اليوم في أمس حاجة لكتابة العقد الاجتماعي، الدستور، بقلم توافقي بين جميع المكونات، حتى تتحول البلاد من حالة الفوضى بحجة «الثورة» والحرص عليها وحمايتها إلى الدولة الديمقراطية، التي تؤمن بحق المواطنة كاملاً لجميع الليبيين، فالديمقراطية هي سلوك وثقافة جماعية، تقر سيادة القانون، والقبول بالتعايش المشترك، لضمان استمرار الديمقراطية الذي لا يتأتى إلا بممارستها، وحتى لا يتكرر الاستبداد والظلم والطغيان.
ففي اعتقادي نحن شعب يستحق الحرية وممارسة الديمقراطية بعد عقود من الحكم الفردي، رغم أن الحراك السياسي في الشارع الليبي هذه الأيام، تتجاذبه الكثير من الأطراف والتيارات ومشاريع السياسيين، التي جلها نسخة كربونية، معدلة الاسم والصورة فقط من دول جوار «الربيع العربي» دون البحث في ماهية تماشيها مع المجتمع الليبي وخصوصيته، وتجربته الحديثة، وبقي البعض الآخر يوظف المساجد وخطب الجمعة، توظيفًا سياسيًا، وأحيانًا للتحريض السياسي، والملاسنة الشخصانية والسباب، لصالح أجندة خاصة، مما سيكون خطرًا على السلم الاجتماعي في ثوب ديني.
فلبناء الدولة المدنية يجب أن يتوقف البعض عن الصراخ بأسماء الأشخاص، واختزال الوطن فيهم، فالوطن لا ينبغي أن يختزل في شخص أو جماعة أو حتى مرشد عابر للحدود، رغم أن هذا السلوك ليس حكرًا على الليبيين، فحتى بلدان الربيع العربي رغم «تحررها» من سلطة الزعيم الفرد، فإن مشهد الصراخ بروحه يتكرر فيها بشخوص جديدة وجوقة أخرى، ليؤكد أن صناعة الطغاة، تبدأ من الإيغال في التبجيل، والمديح والهتاف بروح الزعيم، فيتحول مع الزمن والغلو في المديح إلى طاغية مستبد، والمتصرف الأوحد في شؤون الشعب الخاصة منها قبل العامة.
ليبيا التي أصبح فيها عهد الزعيم الأوحد وراءنا بخرائبه ومظالمه، ولا نرغب في العودة إليه طوعًا أو كرهًا، أو حتى الحنين إليه، والشغف به حبًا، كمرضى متلازمة استوكهولم.
ولعل أنجع السبل لحل أي مشكلة أو إشكالية، هي معرفة السبب والتعامل معها بموضوعية، والابتعاد عن حالة التعنت وتغليب الذات على الوطن، وإلا فالدخول في حالة الصمم التي لا تجدي نفعًا في حل أي إشكال، أو اختلاف في الرؤى، فتغليب مصلحة الوطن هو الطريق الصحيح نحو بناء وطن للجميع، خالٍ من الإقصاء والتهميش.