ديفيد اغناتيوس
صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست". كتب ثماني روايات، بما في ذلك "جسد الأكاذيب"
TT

هل استعادة أميركا لعظمتها كان ما قصده ترامب؟

بالنسبة للولايات المتحدة، كان عام 2016 الأكثر كآبة، فالبلاد لا تزال في حرب، وانتخاباتنا كانت مثار شكوى مريرة، وتسببت في انقسام لم نعهده من قبل. ضرب الإرهاب أقرب حلفائنا، وتلاعب خصومنا بسياساتنا، وحتى الحقائق الأساسية عن الحياة والعلوم باتت مسار جدال ونزاع.
فأيا كانت وجهة صوتك الانتخابي، فبالتأكيد لا تود أن يتكرر هذا العام. الآن وبعد أن قلبنا آخر ورقة في عام 2016، ينظر الكثيرون منا إلى العام الجديد بمشاعر هي مزيد من الأمل والخوف.
الأميركيون شعب متفائل بطبعه، سواء بالميلاد أو الجنسية. فنحن نتعهد بالولاء لدولة «لا تتجزأ، دولة فيها الحرية والعدالة مصونة للجميع». نؤمن بما كتبته صحيفة «وول ستريت جورنال» في افتتاحيتها تحت عنوان «الأرض الجميلة» يوم عيد الشكر، وهي الافتتاحية التي التزمت الصحيفة بإعادة طباعتها في نفس اليوم من كل عام منذ عام 1961، ففي افتتاحيتها العتيقة، تقول الصحيفة «فلنذكر أنفسنا دائما أنه على الرغم من تباين خلفياتنا الاجتماعية، فإننا أقدم شعب الأرض التي حكمها رجال أحرار من دون نفع يعود على ملك أو ديكتاتور، وهذا وحده كفيل بأن يجعل منا معجزة بل وأعجوبة العالم».
فالعام الجديد سيكون اختبارا لكفاءة العمل تحت الضغط وفق النظام الذي وضعه آباؤنا المؤسسون. ويقترح الرئيس المنتخب دونالد ترامب إجراء تغييرات جوهرية يرحب بها أنصاره ويخشاها الكثيرون ممن صوتوا ضده، لكنه لن ينجح إن قاد البلاد إلى نقطة الانكسار.
كيف سيدفع ترامب باتجاه إلغاء القوانين والاتفاقيات السارية؟ هل سيلعب الكونغرس دورا في التأكد من الصلاحيات التنفيذية غير الناضجة، أم أن الأغلبية من الجمهوريين سوف تدين بالولاء للحزب قبل أي شيء آخر؟ هل ستثبت أفعال المسؤولين الذين أقسموا على حماية الدستور والدفاع عنه أنهم بالفعل قد أوفوا بما أقسموا عليه؟
ورغم اقتراب موعد تقلد ترامب للسلطة فإنه لا يزال يمثل لغزا للكثيرين منا، فهو يسعى لأن يكون أداة تمزيق من أجل التغيير، لكن ما هي حدوده؟ ماذا لو أن ترامب سعى لأن يضع نفسه فوق القانون؟ لن يكون أول رئيس يفعل ذلك، لكن هل دستور البلاد قوي بما يكفي ليقاوم ذلك؟
في العام الجديد، سوف تواجه الولايات المتحدة التبعات القاسية التي تصاحب التغيير والانقسام السياسي. أصبحنا الآن هدفا لينا لأعدائنا بعد أن باتت شراييننا عارية ومتشابكة، وأصبحت نقاط ضعفنا مكشوفة وسهلة الاستهداف.
أبطالنا القوميون هم هؤلاء الرجال والنساء الذين يستيقظون كل يوم ليخدموا بلادهم، في الجيش بالخارج، وفي المدارس والمستشفيات ومحطات الإطفاء داخل البلاد. نريد أن نصبح جميعا متماسكين في المحن مثلهم، وسوف نرى عام 2017 مدى قوة جسدنا السياسي، وما إذا كانت مؤسساتنا الديمقراطية لا تزال على مرونتها.
ففي موسم العطلات الحالي، تلقيت جرعة من التفاؤل تجلت في العرض المسرحي الموسيقي «كاروسيل» الذي كان أول من أداه المغنيان رودجرز وهامرشتاين، وكان العرض على مسرح «أرينا ستيدج» بواشنطن. فالكثير من السمات والمكونات التي تشكل منها شعبنا اجتمعت كلها في هذا العمل الذي يجسد شخصية منادي الكرنفال الذي يقع في حب فتاة جميلة خجولة تعمل في مصنع. فالرواية هي أقرب لترنيمة للأميركيين من الطبقة العاملة، للشباب الثائر المصر على أن يحيا حرا رغم النخبة المتعالية والمتزمتة التي تصر على أن تملي عليهم طريقة التفكير. شأن رواية «أوكلاهوما»، فهذا العرض المسرحي يصور أميركا التي نتخيلها في أذهاننا عندما نفكر في شكل الحياة في الماضي.
كيف خرجت هذا القصة الأميركية المثالية عن الطبقة العاملة بولاية مين؟ الإجابة هي أنها اقتبست من رواية مجرية، حيث إن النسخة التي عرضت على مسارح برودواي عام 1945 أخرجها مخرجان من اليهود الأميركيين. والآن بات ينظر لمصطلح «نقطة الذوبان» الذي ورد في الرواية أحيانا باعتباره «اعتداء عنصريا»، وهو ما لم يكن موجودا حينها. فعندما قال ترامب «فلنجعل أميركا عظيمة مجددا» فقد أحيا الرابطة القومية التي جمعتنا جميعا، سواء كانت تخفي نزعات عنصرية أو غيرها. فبعد عام 2016 المليء بالكدمات، فربما كان هذا هو المعنى الذي يجب علينا التمسك به. فأميركا تبلغ قمة مجدها عندما يتحد أبناؤها على اختلاف مشاربهم. دعونا نتمنَّ أن يكون هذا ما قصده ترامب في أمنيته لهذه البلاد، فنحن بالفعل نحتاج لأن نكون عظماء بهذا المعنى من جديد.
* خدمة «واشنطن بوست»