محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

علميًا: المال لا يُسعدك!

ما زال مشهد عامل النظافة عالقًا في ذهني حيث رأيته يقهقه وزميله بصورة هستيرية داخل حاوية قمامة نتنة في صباح شتاء قارس. هذه اللقطة حُفرت في ذاكرتي لسبب بسيط، وهو أنه قد يظن البعض أن هذه الفئة المعدمة لم يدَعْ لها الفقر المدقع وشظف العيش فسحة للشعور بالسعادة، ناهيك بالقهقهة في داخل حاوية للقمامة.
ويبدو أن شعوري هذا قد أكدته دراسة موسعة أعلنت قبل أيام في مؤتمر عالمي حضرته في كلية لندن للاقتصاد، حيث تبين أن الفقر أو تدني الدخل ليس هو المتهم الحقيقي في تعاسة الناس، بحسب الدراسة التي شارك فيها نحو 200 ألف شخص، فقد أظهر العلماء أن العلاقات الاجتماعية والصحة العقلية والجسمية تجعل المرء سعيدًا أكثر من مضاعفة دخله. ليس هذا فحسب، بل اتضح أن أكثر ما يحطم مشاعر السعادة هو شعورنا بالاكتئاب والقلق، في حين تبين أن ارتباط المرء بعلاقة عاطفية مع شخص يحبه كان لها عظيم الأثر في رفع «منسوب السعادة» في بحر أمواج مشاعره المتلاطمة.
وقد أبدى لي البروفسور ريتشارد ليارد (82 عامًا)، أحد الأعلام البارزين في العالم في مجال بحوث السعادة، دهشته من نتائج الدراسة حينما كنت أتحدث إليه على هامش المؤتمر بالعاصمة البريطانية، حيث قال إن ارتفاع دخول الناس لا يرفع مقدار سعادتهم بصورة كبيرة، مقارنة بمشاعرهم السلبية التي تتولد حينما يحظى غيرهم بتلك الزيادة. هذه المسألة التي ذكرها مثيرة للاهتمام ونراها في بيئات الأعمال، وحياتنا عمومًا، فالمرء لا يمانع أن يحرم من مكافأة سنوية (بونص) لكنه حينما يعلم أن غيره نالها تثور ثائرته. ودعا البروفسور البلدان للتركيز على «بناء السعادة» wellbeing أكثر من «بناء الثروة»، بعد نتائج هذه الدراسة الموسعة التي كشفت لنا النقاب عن أمور تبهج الشعوب لكنها تغيب عن سلم أولويات الحكومات.
إذا كان الحكماء قديمًا يرددون بأن المال لا يجلب السعادة فإنهم نسوا أن يذكّرونا بأن الاستسلام لمشاعر الاكتئاب والقلق وتجاهل أهمية العلاقات العاطفية قد يفتك بِنَا أكثر من حفنة أموال نلهث وراء سرابها.