أمير طاهري
صحافي إيراني ومؤلف لـ13 كتاباً. عمل رئيساً لتحرير صحيفة «كيهان» اليومية في إيران بين أعوام 1972-1979. كتب للعديد من الصحف والمجلات الرائدة في أوروبا والولايات المتحدة، ويكتب مقالاً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» منذ عام 1987.
TT

الصين في مواجهة الذنوب السبعة المهلكات

في الوقت الذي يستعد فيه الحزب الشيوعي الصيني لعقد اجتماع لجنته المركزية هذا الشهر، يعود مصطلح «التهديد الآيديولوجي» للظهور مجددا في الأوساط السياسية لبكين، والذي يتوقع أن يهيمن على مناقشات الاجتماع الذي سيجري خلف الأبواب المغلقة. وقد أعد فريق من منظري الحزب، قام بتعيينه الرئيس شي جين بينغ، دراسة خاصة مصممة لتهيئة وإعداد جمهورية الصين الشعبية لما سموه «مرحلة حاسمة في الحرب ضد الآيديولوجيات الدخيلة».
وربما من المتوقع ألا تكون «المعركة الآيديولوجية» الموعودة سوى خدعة مضللة. وقد تستخدم القيادة الجديدة، التي جرى انتخابها في نهاية عام 2012 لمدة 10 أعوام، هذا الشعار للتعامل مع فريق الماويين الساخط الذي يشكل الجناح المتشدد من الحزب الشيوعي. وربما تكون المحاكمة الأخيرة لبو تشيلاي، القيادي النافذ للجناح الداعم للماوية، وحبسه قد أسهمتا في تهدئة الأوضاع بعض الشيء. بيد أن الكثير من المراقبين للأوضاع في الصين يعتقدون أنه لتباطؤ الاقتصاد، قد يحول السخط المتزايد إلى تطرف آيديولوجي. وربما تريد القيادة الجديدة أن تستبق ذلك من خلال الادعاء بأنه بقدر القلق من الشعور المعادي للغرب، إلا أنه لا يملك ما يجعلنا نشعر بالقلق إزاءه.
وقد صرح رئيس الوزراء لي كه تشيانغ أن الجلسة ستناقش خطة رئيسة للحد من دور الدولة في الاقتصاد، وهو ما سيؤدي بدوره إلى دفع جمهورية الصين الشعبية بدرجات قليلة نحو صعود السلم الرأسمالي. وتتمثل الفكرة في تحويل الصين إلى «نظام اقتصادي عالي الدخل» مع رفع نصيب الفرد السنوي من الناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى مستوى نظيره في هولندا بحلول عام 2030.
ويعد ذلك هدفا طموحا. ويقول الرئيس جين بينغ إنه يأمل في إنجاز هذا الأمر من دون الدخول في مخاطرة تتعلق باستقرار النظام، وهو ما يعني الحفاظ على احتكار الحزب الشيوعي للسلطة. ولكن هل يمكن للقيادة الجديدة تفادي حلول الوسط الآيديولوجية المفزعة المدرجة في الدراسة المقدمة للجلسة المكتملة؟
تقدم الدراسة سردا سياسيا «للذنوب السبعة المهلكات» طبقا لمؤيدي الشيوعية.
ويتمثل الذنب الأول في الطلب المتزايد من قبل الطبقات المتوسطة الجديدة في الصين على ديمقراطية النمط الغربي. وكانت الصين قد قفزت العام الماضي لتقترب من قمة قائمة الدول التي تضم أكبر عدد من المليارديرات. والأدهى من ذلك، أن الصين قد تتباهى في الوقت الراهن بأن الطبقة المتوسطة الجديدة لديها ما يزيد عن 300 مليون شخص، تعادل تقريبا مقدار إجمالي سكان الولايات المتحدة.
ما هي المدة التي قد تقبل فيها تلك القوة الاجتماعية والاقتصادية المَهُولة وضعا تسيطر فيه على تلك القوة الاقتصادية الهائلة، من دون أي نوع من النفوذ السياسي؟ مما لا شك فيه أن قطاعا واسعا من الطبقات المتوسطة الجديدة أعضاء من الحزب الشيوعي أو يرتبطون معهم بشراكات تجارية، ومن ثم فمن غير المحتمل أن تتمنى انحراف القطار وخروجه عن مساره.
لكن حتى لو كان الأمر كذلك، فإن جزءا من الطبيعة الإنسانية يتمثل في السعي لتوصيف الأشياء. وفي نهاية المطاف، ألم يقترح أرسطو بأن الرجل سياسي أكثر من كونه حيوانا اجتماعيا؟ لماذا لا يختلف اثنان من المليارديرات الصينيين بشأن القضايا السياسية مثلما فعل نظراؤهم الأميركيون أو الأوروبيون لعقود من الزمن؟ ففي انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة، ذهب نصف المليارديرات بالبلاد لدعم باراك أوباما، بينما ساند النصف الآخر ميت رومني.
ومن ثم فعاجلا أو آجلا سيضطر الحزب الشيوعي الصيني إلى توفير مساحة للنقاش والمعارضة. والسؤال هو إلى أي مدى وما هي المساحة. هل الإصلاح في هذا الاتجاه يتضمن وجود أحزاب سياسية أخرى وهل ستكون الانتخابات التعددية والنزيهة مقبولة كأداة هامة لصناعة السياسة.
الذنب الثاني الذي جرى مناقشته في الدراسة يتعلق بالتحرير الاقتصادي. هل ينبغي على الصين أن تسمح بقيام نظام رأسمالي خاضع للسيطرة ترعاه الدولة وتحويله إلى اقتصاد سوق كامل. والسؤال يتجاوز الاقتصاديات العادية، فإذا خسر الحزب سياسة الاحتكار الخاصة به في توزيع الفرص الاقتصادية، ناهيك عن المزايا وفوائد الفساد، فهل سيحظى بالسلطة الأخلاقية الكافية للحفاظ على قاعدة قوته؟
كل الدول التي تبنت الرأسمالية، بدءا ببريطانيا العظمى، فعلت ذلك في ظل توجيه مركزي أولي، إن لم يكن سيطرة كاملة، لكن تلك الدول انتهت بسوق تسيطر على المبادرات وتركت للدولة دور المنظم. وربما يكون من الممكن مزج الاستبداد السياسي مع اقتصاد السوق لبعض الوقت، لكن ذلك لن يكون للأبد. وقد أثبتت تجارب الدول الآسيوية الأخرى، وتحديدا اليابان تحت الحكم العسكري ومؤخرا كوريا الجنوبية تحت الحكام العسكريين المتعاقبين وجهة النظر هذه.
إذا كان على الصين أن تستسلم لذلك الذنب فسوف يتعين عليها أن تتخلى عن مفاهيم مثل «العدو الطبقي» و«المسؤولية البروليتارية». وهذا يعني قبول حرية الفكر والدين والتعبير وحرية التجمع. كيف سيكون تأثير مثل هذا التغيير الكبير على مسلمي الصين ومواطني التبت الذين يشكون من الاضطهاد؟ وماذا يمكن أن يحدث للتدخل السافر للدولة الصينية في حياة مواطنيها؟
الذنب الرابع الذي ذكرته الدراسة هو إمكانية ظهور وسائل إعلام مملوكة للقطاع الخاص، والشبكات التلفزيونية على وجه الخصوص. وكما هو الحال في الأنظمة المركزية استغل النظام الصيني احتكاره للمعلومات كأداة قوية للهيمنة. لكن وسائل الإعلام الخاصة والمتنوعة قادرة على أن تنهي هذا الاحتكار الذي يعاني ضغوطا بالفعل من الإنترنت وصحافة المواطن. فالنظام الذي اعتاد على تقديم رواية واحدة لكل حادثة سيضطر إلى المنافسة مع عشرات إن لم يكن مئات الروايات المختلفة.
الذنب الخامس الذي أثار القلق هو نظام التعليم الصيني المتدهور، فبارونات الحزب الشيوعي الكبار يرسلون أبناءهم إلى أوروبا أو الولايات المتحدة لاستكمال دراستهم العليا في الوقت الذي يضطر فيه أبناء العامة إلى الالتحاق بمدارس وجامعات دون المستوى. وبترك مساحة للتعليم الخاص ستشهد الصين العشرات من فروع الجامعات الخاصة الغربية إلى جانب المدارس الخاصة البعيدة عن سيطرة المناهج الوطنية.
الذنب السادس المفزع هو فصل القوى الذي يمكن في ظله أن تنشأ هيئة قضائية مستقلة كحكم موثوق به للنزاعات على كل المستويات ستضع نهاية لكل المحاكمات الصورية والمحاكمات الخاصة والجلسات السرية. وستنهي أيضا كل التحكيم عبر إملاءات الحزب وهو ما قد يحرم المواطن من حياته بشكل عام. ويعد رئيس الوزراء، لي، بحماية جديدة للملكية الخاصة. لكن ذلك لا يمكن أن يحدث من دون هيئة قضائية قادرة على حماية المواطن من أصحاب النفوذ.
وأخيرا الذنب السابع، وهو الطلب المتزايد على مراجعة تاريخ البلاد، وخاصة الفترة التي تتناول إنشاء الجمهورية الشعبية عام 1949. وهو ما يعني فصل العلم عن الآيديولوجيا. يريد الصينيون معرفة ما جرى حقا لآبائهم وأجدادهم ومن يتحمل مسؤولية مقتل عشرات الملايين الذين راحوا ضحية المجاعات التي صنعتها يد البشر، والتطهير السياسي.
وقد تحدث رئيس الوزراء عن بناء صين جديدة، تسير على شعار ماو «دمروا القديم ابنوا الجديد». لكن ماذا إن كان القديم بحاجة إلى تدمير يشمل جزءا جيدا من إرث ماو؟