مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

مثال الشاعر «حيدر»

تعرض الشاعر السعودي الشاب، المبدع، حيدر العبد الله، لهجوم إنترنتي شامل متنوع، من قبل من يعرف الشعر ومن لا يعرفه، من يتقن العربية حتى أو من لا يتقنها، مثل السائقين والعاملات المنزليات من دول آسيا البعيدة.
سبب ذلك قصيدة وطنية ألقاها أمام الملك بمناسبة زيارته للمنطقة الشرقية، لتهبّ بعدها رياح السموم على هذا الشاب، الذي اعترف بقدراته وتميزه الشعري نقاد عرب كبار من أمثال المصري الدكتور صلاح فضل، والجزائري الدكتور عبد المالك مرتاض، وهما من صيارفة الأدب العربي.
كتبت «العربية نت» قطعة جميلة عنه بعنوان: هل يستحق الشاعر حيدر العبد الله كل هذا الهجوم؟
والعنوان كاشف وكافٍ، يخبرنا السرد أن صاحب الـ26 عامًا، طالب هندسة، حصل على بردة شاعر شباب عكاظ عام 2013، والأول بمسابقة نادي جازان الأدبية 2014، وخاتم وبردة أمير الشعراء من أبوظبي 2015.
إذن فمن قال: إنه ليس بشاعر ولا علاقة له بالشعر، أبعد النجعة، وقال ما ليس له علم به، ولم ينصف، وحكم بالوهم وردّد ما وصله من على شاشة هاتفه الذكي.
هل يعني هذا اتفاق الناس على استطعام شعر ما أو لوحة ما أو موسيقى ما، هو نتيجة حتمية لكون هذا المبدع أو ذاك يمتلك أدوات فنّه؟
أكيد لا، ولولا اختلاف الناس لبارت السلع، ولكل وجهة هو مولّيها، هناك من يطيب له شعر أبي تمام ويراه «ذكرى حبيب» كما أخبرنا حكيم المعرة، في حين أن هناك من يميل إلى رقة البحتري وتمرده التصويري، ويعتبره كـ«عبث الوليد» أيضًا، حسبما يقول لنا رهين المحبسين، أما فئام من متذوقي الكلم، ومشتاري العسل الفصيح، فلا يعدلون بأبي محسّد أحدًا، لأن ما دوّنه الفتى الكوفي هو «معجز أحمد»، وتلك خلاصة أبي العلاء.
ليس المراد تذويق من لا يسيغ ذلك الشراب الإبداعي رغم أنفه، المراد هو أن يحكم بعدل وعلم.
الأخطر من ذلك، هو أن السخرية والتضحيك، صارت مع توحش السوشيال ميديا، غاية مطلوبة بحدّ ذاتها، الكل يضرب ويسخر ويقلد، حتى من لم يقرأ بيتًا من الشعر كل عمره، بل حتى الأعاجم عن اللغة العربية، في حالة حيدر العبد الله.
هناك من رفض طريقة إلقائه، لأنه تعود على طريقة شاعر الوطن والحماسة، خلف بن هذال، ومن جرى مجراه، وهذا لون منبري أخّاذ بلا مرية، ومناسب للمواقف الوطنية، لكن ما حصل مع حيدر ليس هذا وحسب، بل هجوم شامل كامل، على كل شيء. هذا غير عقلي ولا أخلاقي.