محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

«اجتماعات المثانة»

قرأت ذات يوم أن اجتماعات المفاوضات للرئيس السوري السابق حافظ الأسد كان يطلق عليها «دبلوماسية المثانة»؛ نظرًا لشدة تحمله لعقد اجتماعات تمتد لساعات طويلة من دون أن يتحرك من مكانه!، ووصف دبلوماسيون غربيون شدة معاناتهم بسبب هذه الجزئية؛ لكونهم لا يستطيعون الذهاب لدورة المياه، بسبب رفض الرئيس لأخذ استراحة، التي ربما كانت تكتيكًا دبلوماسيًا يمارسه.
«اجتماعات المثانة» هذه إن جاز التعبير تنتشر في أروقة العمل في شتى أرجاء المعمورة لأسباب عدة. أسوأها أن يعقد الاجتماع من دون أجندة مسبقة، ولا يقوم كل فرد بدوره المطلوب بالاطلاع على المادة المراد مناقشتها، ناهيك إن كانت قضية حساسة أو شائكة. فقد حضرت الكثير من الاجتماعات المهمة، انتهى بنا المطاف بأن يقرأ أحدنا المادة أو اللائحة أو القانون الذي نحاول رفع مسودته للبرلمان أو مجلس إدارة مادة مادة؛ بسبب أن أحد الحضور لم يقم بدوره بقراءة النص المرسل مسبقًا.
وهذا أحد الأسباب التي تطيل، من دون مبرر، أمد اجتماع كان يمكن أن يقتصر على ملاحظات أو استفسارات أو إضافات مهمة. ومن أكثر ما يطيل أمد «اجتماعات المثانة» ألا يقوم مديره بدوره المطلوب في وضع حد للاستطرادات والخروج غير المبرر عن الموضوع، فضلاً عن عدم توجيه اللوم صراحة للعضو المقصر تحضيرًا أو أداء. ذلك أن حفلة المجاملات التي نمارسها في اجتماعاتنا، وعدم التحضير المسبق، هو بعينه ما يهدر أوقاتنا.
صحيح أنه ليس هناك مدة مثالية للاجتماعات بحكم اختلاف طبيعتها، لكن دراسات عدة اطلعت عليها تؤكد أن مقدرة الإنسان على التركيز تتراجع في بعض الدراسات بعد ثلث ساعة، وأخرى بعد نحو خمسين دقيقة. وهذا ما حدث معنا حينما كنت في لجنة تنسيقية تفاوضية steering committee مع أكبر الدائنين عندما حاولنا نستخدم أسلوب الضغط النفسي بإطالة أمد الاجتماع، فما حدث هو أن ضعف تركيز فريقنا، وتفاقم ملل الطرفين. وعليه فأرى أن الاجتماعات الأسبوعية بين المديرين والإدارة العليا يجب ألا تتجاوز الساعة، وكذلك الحال بين المدير ومرؤوسيه في لقاءاتهم الدورية وربما أقل. أما في الاجتماعات التفاوضية فيجب أن يلجأ إلى معايير تكتيكية أخرى، ولا يعتمد فقط على إطالة مدة الاجتماع.
ولا ننسى أننا في عصر لم نعد نستطع أن نجمع فيه شتات تركيزنا في الاجتماعات؛ بسبب تعدد الملهيات الإلكترونية من حولنا. فضلاً عن تراكم الشواغل والأدوار الحياتية. وعليه فإن تقصير أمد الاجتماعات بات مسألة ملحة، لا سيما وأن باحثين حاولوا دراسة سجل المواعيد لنحو 500 مدير تنفيذي حول العالم لمعرفة كيف يستغل هؤلاء أوقاتهم، فتوصلوا إلى نتيجة مهمة، وهي أن المدير التنفيذي يقضي معظم وقت العمل في الاجتماعات بواقع 18 ساعة، من أصل ما متوسطه 55 ساعة عمل أسبوعيًا.
وتوصلوا في الدراسة، التي جُمعت نتائجها من 3 دراسات مختلفة عن المديرين التنفيذيين في أماكن متفرقة من العالم، إلى أن المدير التنفيذي يقضي ساعتين في المكالمات الهاتفية، ومثلهما في انشغاله في حضور المؤتمرات، ومثلهما أيضًا للمناسبات العامة، وخمس ساعات في غداء عمل، ولا يمضي وقته منفردًا سوى لمدة 6 ساعات بحسب صحيفة «الخليج» الإماراتية.
خلاصة القول إن «خير الكلام ما قل ودل» مقولة حري أن نطبقها في اجتماعاتنا، علها تكون أكثر فاعلية وتركيزًا.