مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

«دائرة السوء» تتسع

مرة أخرى نكرر المكرر، نؤكد المؤكد، وهي متضمنة في: «من قال لا أعلم فقد أفتى». هذه النصيحة الذهبية، خاصة لرواد السوشيال ميديا.
لا ندري لم هذا الشغف والتعطش اليومي بل على مدار الدقيقة من قبل المعلقين والظرفاء والمستظرفين على تطبيقات السوشيال ميديا، فكل امرئ يعلق على أي موضوع يعرف فيه، وهذا هو الأقل، أو لا يعرف وهم الأكثر.
مشكلة هذا النوع من السلوكيات في تكريس الفوضى والتشويش واللغط والضجيج، والدخان الحاجب للرؤية والاستبصار.
دوما أتخيل هذه الصورة، أم كلثوم أو عبد الوهاب، مثلا، وهما يهمسان أو «يسلطنان» وسط خناقة عارمة بين فريقين مؤلفين من خمسين ألف إنسان غاضب، لكل طرف، كل فرد من الفريقين يصرخ ويشتم ويرمي الحجارة والفوارغ، والسيارات العابرة تزمر وتزأر، هل لغناء الست أو شدو الأستاذ أي قيمة أو أثر؟!
تضيع كثير من الموضوعات الجادة، بل «تبتذل» بالتسخيف وتكرير التصنيفات المعتادة في «خناقات» السوشيال ميديا، ليس بسبب سخونة الموضوعات ولا حساسيتها، بل بسبب افتقاد المساهمين في «الخناقة» للأدوات التي تؤهلهم للاتفاق أو الاختلاف في المسألة.
جزء من هذا العجز يعود لهيمنة الجو الجماهيري الغوغائي، حتى على الأفراد المالكين للمعرفة المتأهلين للنقاش العلمي في المسألة، أما السبب الآخر فهو أن غالبية الناس، وهذا قانون طبيعي، ليسوا من أهل القراءة والمعرفة والشغف المعرفي، هذه ليست شتيمة، بل واقع، جلّ الناس ليس لديهم الرغبة في التأمل والتقصّي، وهموهم يغلب عليها مشاغل الحياة اليومية، وبعض المتع العامة مثل كرة القدم وما شابه.
قرأت مرة لأحد هؤلاء في «تويتر» يقول لكاتب صحافي، يكتب مقالات أعمدة من نحو 300 كلمة، يعني ليست مقالات الرأي الأسبوعية ذات الألف كلمة فما فوق. يقول له، موبّخا، قل ما لديك هنا في سطر واحد بـ«تويتر»، ليس لدى أحد الوقت لقراءة 300 كلمة!
بعض الإعلاميين والنشطاء في الميديا الحديثة، يلوم من يتذمر من هذا الحال، ويطالب المتذمرين بـ«مواكبة» العصر، ولست أدري أي مواكبة هذه، فليس أي شيء جديد أمرا حسنا ورائعا بالضرورة.
المشكلة الكبرى مع «أجواء» السوشيال ميديا، هي في تعميم ثقافة خفيفة مثيرة تبحث عن العناوين المختصرة، المشتعلة، حتى تضمن وجود «زيارات» ومتابعين كثر، بصرف النظر عن سبب الانتشار ونوعية المتابعين!
«دائرة سوء» يجب ألا نستسلم لها، بل أن نجعلها تدور لصالح العقل، لا أن تدور كعجلة موت على وجودنا وسلمنا وعقلنا.
كلمات قد لا تعبر من أسوار الصخب.. صخب السوشيال ميديا.