سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

كون «معجوق»!

يُنتخب رؤساء الدول في العالم ضمن مهلة قانونية محددة، إلا في لبنان، فقد تتجاوز المهلة العامين ونصف العام، والقصر الجمهوري خال من صاحبه، وتوقيع الرئيس غائب عن معاملات الدولة، والدولة في متاهة، والناس أيضًا.
وفي بلاد العالم، تُشكَّل الحكومات في مهلة معقولة، رغم مطالب الأحزاب المعنيّة. وأما في لبنان، فقد تطول المسألة ثمانية أشهر، بين فيتو ومطلب، ومطلب ورفضه، وحقيبة فارغة وحقيبة مليئة. وكل ذلك لأننا بلد غير عادي، ففي قصيدة للشاعر يونس الابن أن «لبنان يا قطعة سما / عَ الأرض تاني ما إلا»، أي لا شبيه لها على هذه الأرض، ولا توأم. ثم تذكر، رحمه الله، شجرات الأرز التي لا مثيل لها في العمر، فأضاف: «هالكَم أرزة، العاجقين الكون»، أي ليس كوكب الأرض الأزرق وحده، بل جميع الكواكب، والمجرات، ودرب التبانة، وسهيل، وعطارد، والمريخ، والشمس، وما يدور منها، وما لا يدور.
كان الله في عون العهد الجديد، فإن عليه أن يرضي يسار لبنان ويمينه، شماله وجنوبه، شرقه وغربه، طوائفه وأحزابه، أكثرياته وأقلياته، وبعد أن يرضي هؤلاء جميعًا، عليه أن يرضي من لم يرضَ بعد.
وفي لبنان وحده من دول الأرض والكون، يطالب المطالبون بـ«الحقيبة الوزارية»، وليس باسم وكفاءة الوزير لأن الحقائب مقامات، والدنيا مقامات، والكون «معجوق»، أي مزدحم بالمرشحين لإنقاذه من الحالة التي هو فيها.. مسكين أنت يا كون.
حتى الآن، قام رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري بثلاث زيارات إلى الرئيس ميشال عون، في محاولة لتذليل عملية التأليف. والله المستعان. وهي مناسبة لأن يسجل كل لبناني امتنانه لرئيس الحكومة المستقيلة تمام سلام، السياسي الدبلوماسي النزيه الصبور المحترم؛ لقد أدار الحكومة في أصعب المراحل، وسايس الصعاب في أحلك الأزمات، وحافظ على كرامة الحكم في أصعب المحن.
وثمة آمال كثيرة وكبرى معقودة على العهد الجديد، وساريته المخضرمة، الرئيس نبيه بري. هؤلاء هم واقعيّو الدولة، وما عليها أن تواجهه في هذا الزمن المضطرب، وهو «معجوق» أصلاً، وليس في حاجة إلى «كم أرزة» كي تزيد في «عجقته».