طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

إيران وأميركا والحياد الكاذب

عندما يندفع الرئيس الأميركي المغادر أوباما في التعامل مع إيران، ومنحها ما لا تستحق، فإننا لا نملك ترف الحياد. وعندما تظهر ملامح توتر أميركي - إيراني في مرحلة الرئيس المنتخب ترامب، فإننا لا نملك ترف الحياد، بل إنه حياد كاذب. فكيف يمكن الاستعداد لهذا التصعيد الإيراني - الترامبي المتوقع؟
الأكيد أنه عندما يؤدي ترامب القسم رئيسًا سيجد أن إيران متنفذة في أربع عواصم عربية؛ دمشق، وبيروت، وبغداد، وصنعاء، كما سيكتشف حجم التخريب الإيراني في كل المنطقة. ومن الخطورة أن نركن إلى التفكير في الذي بوسع ترامب فعله تجاه إيران، وإنما علينا أن نسارع للتفكير بالتصور الذي يجب أن نقدمه للرئيس المنتخب حول الموقف من إيران، فهذه منطقتنا، ونحن الأدرى بها. وبالطبع فإن أحدًا لا يريد حربًا في المنطقة، وتحديدًا مع إيران، فهذه منطقة أنهكتها الحروب، عسكريًا، وطائفيًا، كما أنه لا أحد يريد التساهل مع طهران، أو قبول تقسيم المنطقة بين نفوذ عربي وإيراني، وكما كان يفكر الرئيس المغادر أوباما، حيث إن ما تحتاجه منطقتنا هو أن تعود إيران إلى حدودها الجغرافية، وكما ذكر وزير الخارجية الأميركي الشهير هنري كيسنجر في مقابلته مع مجلة «أتلانتك»، حيث يجب أن تتعامل طهران مع المنطقة وفقًا للقوانين الدولية، وحسن الجوار. وحينها يستقر العراق، ولبنان، واليمن، وسوريا، ويطمئن الخليج، وكل المنطقة.
وهذا لن يتم ما لم تَعُد طهران إلى حدودها، وتتصرف كدولة، وليست كنظام راعٍ للإرهاب في منطقتنا. وكما قال كيسنجر، فإن على إيران أن تقرر «هل هي دولة أم مجرد قضية»؟ وعلى من يعتقد أن الحديث عن أثر إيران هو مبالغة أن يتذكر بأن التخريب أسهل وأسرع من البناء، وإيران قوة تخريبية، ومنذ انطلاق الثورة الخمينية الشريرة. ولذا فإننا لا نملك ترف أو كذب الحياد، في أي تقارب أو تصعيد أميركي - إيراني، خصوصًا أن الإيرانيين، ورغم تصعيدهم مع مرحلة ترامب فإنهم يعبرون عن استعدادهم للتعاون الاستراتيجي معه، وليس التحالف، وبحسب ما نقلت صحيفة «الفايننشيال تايمز» بالأمس، فإن إيران تقول بأنه حال أظهر ترامب حسن نيات فإنهم مستعدون للتعاون معه في قضايا مثل «داعش»، و«طالبان»، و«الحرب في اليمن»، وهو ما يعني أن إيران تحاول استغلال الفوضى التي ترعاها بالمنطقة لجني أرباح مع ترامب، وهو ما فعلته طهران مطولاً مع أوباما في مساومة مفضوحة.
وعليه، فإن كل ذلك يحتم علينا ضرورة إعداد خزنة أفكار، ومبادرات، للتعامل مع مرحلة ترامب، والتصعيد المحتمل مع إيران، وأن نكون متسقين بالتصريحات، والمواقف، وننظر للصورة الكبيرة. نحتاج مبادرات، داخلية وخارجية، وخططًا تفاجئ ترامب في لجم التطرف، وتدعيم الاعتدال، وحلولاً وأفكارًا عملية تجاه سوريا واليمن والعراق. كما نحتاج عقلانية لدينا منها إرث حقيقي، مستلهمين التجارب من سنوات أوباما الثماني مع منطقتنا، ونتائج هرولته العبثية خلف إيران، وغيرها.