طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

خايف أقول اللي في قلبي

في مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية الذي احتفل باليوبيل الفضي من دار الأوبرا المصرية، تردد السؤال أين «جارة القمر» فيروز؟ على مدى 25 عامًا نستمع إلى نفس السؤال ولا نحصل على إجابة شافية.
إدارة المهرجان لم تستطع أن تحقق الظرف الملائم لكي تعاود فيروز بعد أكثر من ربع قرن الغناء بمصر، لفيروز في قلوبنا مكانة خاصة ودافئة، وعندما يأتي زياد رحباني إلى مصر تحتضنه الملايين، بل يطالبون بمنحه الجنسية، بالطبع لصدق موهبته وتفردها، وأيضًا لأنه من رائحة الحبايب.
قبل ساعات أُسدل الستار عن المهرجان بعد أن أشعلت أصالة الليلة بالكثير من أغانيها، كما أن الأمر لم يخل وكالعادة من أن تُقدم أغنيات الماضي، وهو الزمن الذي دأبنا على وصفه بالجميل.
من المظاهر التي تُسعد الجمهور أن يستمع إلى أغنيات قديمة بأصوات شابة، ومن أشهر من تخصصوا في تلك المساحة على الساحة العربية «عبده شريف» في غنائه الرائع لعبد الحليم حافظ، و«فؤاد زبادي» في أغانيه الشعبية لمحمد عبد المطلب، والمطربان من المملكة المغربية.
هل يشعر المطرب صاحب الأغنية الأصلية بالسعادة؟ عدد كبير من المطربين ومن مختلف الأجيال ارتبطوا بإعادة القديم مثل: جورج وسوف، وفضل شاكر، ومدحت صالح، ومحمد عساف، وأنغام، وشيرين.
أم كلثوم لم تكن تسعد بذلك، بل إنها حذرت عبد الوهاب من تقديم الأغاني التي لحنها لها بصوته، ولم تخرج للناس بروفات أغاني أم كلثوم التي لحنها عبد الوهاب وسجلها على العود مثل «أنت عمري» إلا بعد رحيل أم كلثوم.
عندما كانوا يسألون محمد عبد الوهاب لماذا لا يعترض على إعادة تقديم أغنياته مثل «من غير ليه» آخر ما احتفظت به المكتبة الغنائية بصوته، حيث تغنى بها على الأقل عشرة مطربين، كان يقول ولماذا الغضب؟، أنا سأستفيد في الحالتين، إذا المطرب غناها أفضل مني فسوف يُذكر الجمهور بأغنيتي وبصوتي، وإذا غنيتها أنا أفضل فسوف أتلقى التهنئة مجددًا من الجمهور.
أغلب المطربين صاروا يفضلون بين الحين والآخر مداعبة الجمهور بواحدة من الأغاني الشهيرة، ولا يخلو الأمر من مفارقات، عندما توقف وديع الصافي وهو يغني قصيدة «أيظن» لنجاة أمام مقطع «حتى فساتيني التي أهملتها» غيرها من «فساتيني» إلى «سراويلي»، ضجت القاعة بالضحك، بينما عبد الوهاب في تسجيل له على العود قالها «فساتيني» فلم يلحظها أحد.
شريفة فاضل لم تكن سعيدة بأن يغني محمد منير أغنيتها الشعبية «حارة السقايين»؛ لأنه لم يستأذنها، بينما لا تجد نجاح سلام بأسًا من أن يغني أي مطرب أو مطربة أيا من أغانيها باستئذان أو من دون، رولا سعد كثيرًا ما غنت لصباح التي كانت أحيانًا تشاركها الغناء.
عدد من المطربات رددن لسعاد حسني «يا واد يا تقيل» مثل نانسي عجرم وسوزان تميم، والغريب أن إحدى المغمورات قالتها فأدينت أمام القضاء المصري، لأن الشريط المرئي المصاحب لها اعتبروه يحمل خروجًا عن الآداب.
المحصلة النهائية إيجابية تمامًا ولصالح الغناء العربي، تقديم الأغنية القديمة بتوزيع موسيقي عصري يمنح الأغنية عمرًا إضافيًا، مثلما غنّت فيروز في نهاية الخمسينات لمحمد عبد الوهاب أغنيته القديمة «خايف أقول اللي في قلبي» بتوزيع الأخوين رحباني، فعاد للأغنية شبابها ونبضها، ولا أزال مثل الملايين أتوق لسماع صوت فيروز مغردًا على أرض مصر و«خايف أقول اللي في قلبي»!