مأمون فندي
أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورجتاون سابقاً، ويعمل الآن مديراً لمعهد لندن للدراسات الاستراتيجية. كتب في صحف عديدة منها «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» و«فاينانشال تايمز» و«الغاردين» وبشكل منتظم في «كريستيان ساينس مونوتور»، و«الشرق الاوسط». له كتب عديدة بالإنجليزية والعربية آخرها كتاب «العمران والسياسية: نظرية في تفسير التخلف 2022».
TT

هل يكون ترامب هو الـ«بريكست» الأميركي؟

في انتخابات التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي منذ شهور قليلة لم يكن أحد يتصور أن بريطانيا ستخرج، إذ كان المزاج، وخصوصًا في المدن الكبرى مثل لندن، هو مزاج البقاء داخل الاتحاد، ولكن النتيجة فاجأت الجميع، فهل يحدث الشيء نفسه مع هيلاري كلينتون المضمونة في الانتخابات الأميركية؟
دونالد ترامب ليس الحزب الجمهوري فهو حركة آيديولوجية غاضبة ضد واشنطن كحكومة، وعدم قدرتها على تلبية احتياجات الرجل الأبيض من الطبقة المتوسطة وما دونها، وهذه الحركة أو الكتلة التصويتية ستخرج للتصويت يوم الانتخابات بكل تأكيد، لأنها كتلة مدفوعة بمشاعر الغضب. أما الكتلة المؤيدة لمنافسة ترامب، السيدة هيلاري كلينتون، فهم يظنون أن مرشحتهم كسبت الانتخابات، والليبراليون دائمًا كسالى في الخروج إلى صناديق الاقتراع. فهل تحدث في أميركا مفاجأة كتلك التي حدثت في بريطانيا؟
رغم أن الجميع يتحدث على أن لندن صوتت بنسبة 70 في المائة لصالح بقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي فإن هذه الـ70 في المائة كانت من هؤلاء الذين صوتوا وخرجوا وكانوا قلة، الذين خرجوا ضد بقاء بريطانيا في الاتحاد كانوا أكثر ومدفوعين بمشاعر الغضب، كهؤلاء الذين سيصوّتون لدونالد ترامب، أعداد كبيرة ومؤمنة بالقضية.
كأستاذ للعلوم السياسية تعلمت دائمًا التحليل السياسي في إطار الأرقام والآيديولوجيات والظروف الاقتصادية، وكل هذا كان مهما في التصويت للخروج من الاتحاد الأوروبي في بريطانيا، كما سيكون مهما في التصويت لكلينتون أو ترامب في الانتخابات الأميركية، ولكن ما لم تعلمه لي كورسات السياسة في الماجستير والدكتوراه هو شيء آخر لاحظته في التجربة البريطانية. الطقس أو المناخ كان أمرًا حاسما في استفتاء الـ«بريكست»، ومن يذكر ذاك اليوم في لندن، يتذكر أن أمطارا غزيرة هطلت على العاصمة، ومنعت الكثيرين من الخروج أو الرغبة في الخروج في جو شديد السوء. لذلك لم يخرج من لندن وحدها العدد الكافي الذي يرجح بقاء بريطانيا في الاتحاد، أما الآيديولوجيون المؤمنون بفكرة الخروج فلم يترددوا في الخروج سواء في المطر أو الثلج، وأظن أن هذا ينطبق على مؤيدي ترامب ولا ينطبق على مؤيدي هيلاري كلينتون.
مؤيدو هيلاري يعاملونها كرئيس أميركا من الآن، أي أن هناك نوعًا من التسليم بأنها ستكون الرئيس القادم، وهذا ما تؤيده حتى الآن استطلاعات الرأي الأميركية التي ترجح فوز كلينتون على ترامب. لكن أعراض الـ«بريكست» يجب أن تؤخذ في الاعتبار. فكلما تهاون مؤيدو كلينتون فاز ترامب، وترى ذلك واضحًا في مباريات كرة القدم، فأحيانًا يدخل فريق مثل البرازيل واثقًا بالفوز ثم تهزمه ألمانيا هزيمة ثقيلة لم تعرفها البرازيل في تاريخها الكروي.
كلينتون اليوم تبدو كما البرازيل، وقد تحدث المفاجأة.
أعتقد أن درس الـ«بريكست» مهم أن نأخذه في الاعتبار في الانتخابات الأميركية فقد يفاجئنا عواجيز أميركا كما فاجأنا عواجيز بريطانيا في تحديد مصير الانتخابات، فرغم أن كل المؤشرات تقول بفوز مريح لهيلاري كلينتون فإن سابقة الـ«بريكست» البريطاني يحب أن تكون نصب أعيننا طوال الوقت حتى يتم فرز الأصوات ويعلن اسم الفائز. الدنيا ليست بهذه السهولة كما يتصورها البعض.