مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

اللغة.. آخر «ألسطه»!

اللغة كائن حي، دوما نقرأ أو نسمع هذه العبارة، لكنْ قليل فينا من يتأمل تجليات هذا الوصف ومظاهره.
لو أمعنا النظر في المفردات التي دخلت على لهجة الشباب اليوم - لنقل هنا الشباب السعودي أو المصري مثلا - لوجدنا تحولات سريعة ومدخلات كثيرة طرأت على لغة التخاطب اليومي، جراء أسباب كثيرة، منها «سيول» التواصل اليومي بين مجتمعات مختلفة، حتى داخل الوطن الواحد، فكل وطن، مهما صغر حجمه، ينطوي على تنوعه وتعدده لدرجة يمكن القول معها إن الأساس في الأشياء التعدد والتنوع.
هناك أسباب أخرى أيضا لتناسل المفردات الجديدة، وترحّلها من لغة لأخرى ومن لهجة لثانية، ومن ذلك التحولات الاجتماعية الضخمة، مثل حركة الصحوة الإسلاموية، أو الاحتكاك بقوى غالبة، مثل الاستعمار والغزو الأجنبي.
أذكر في هذا الصدد دراسة قرأتها، قبل عدة سنوات، للباحث السعودي، د. ناصر الحجيلان، عن المتغيرات الجديدة في المفردات السعودية بفعل هيمنة تيار الصحوة الدينية، ويضع الجملة التي كانت هي المُتخاطب بها قبل هيمنة الصحوة، ومقابلها الجملة أو المفردة التي فرضتها الثقافة «الصحوية».
كانت دراسة جميلة ومثيرة دالّة، وتغري بالتأمل، وقبل أيام قرأت خبرًا عن دارسة أخرى لباحث مصري، نشرها موقع «msn» الإخباري عن بحث للدكتور عبد الوهاب علوب، أستاذ اللغة الفارسية في جامعة القاهرة وصاحب معجم «الدخيل في العامية المصرية»، أوضح فيها أنه استطاع أن يجمع ويصنف في معجمه الصادر عن المركز القومي للترجمة، أكثر من 1200 لفظ من أسماء الأعلام والألقاب والأماكن والتعبيرات ذات الأصول الأجنبية - شرقية كانت أو غربية هذه اللغات - في العامية المصرية.
للدلالة على صدق أن «اللغة كائن حي»، يرصد الباحث كيف تلاشت بعض الألفاظ من العامية المصرية ذات الأصول التركية أو الفرنسية مثلا، لصالح الإنجليزية بنسختها الأميركية، ومن ذلك استبدال كلمة «ماكياج» بكلمة «ميك آب» وكلمة «كاراج» بكلمة «باركينغ».
من الطرائف التي رصدها الباحث في العامية المصرية كلمات مثل:
- «أليط»: بالعامية المصرية تعني الشخص المغرور. أصلها من الإنجليزية elite بمعنى الصفوة.
- «ألسطه»: تعني أن كل شيء على ما يرام، تحريف للكلمة الفارسية «آراسته» وتعني جاهزا ومهيئا.
- «مرمطون»: تُستخدم لوصف الشخص الذي يؤدي عملاً متعبًا، وأصلها «مارماتا» كلمة فرعونية تعني التعب والألم.
الكلمات التي يتفوّه بها الناس علامات على مستوى الوعي ودلالات على موازين القوى، ومعايير القيم الغالبة.
تُرى لو تفرّس باحثونا بمفردات الشباب والإعلام اليوم، أي مصدر مؤثر سيضعون يدهم عليه؟
[email protected]