مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

شيء من الفرح والحزن

تقول (روث بيترسون): ذات صباح التقيت بها على الشاطئ، كانت طفلة صغيرة تبني قلعة من الرمال عندما طالعتني بعينين لهما زرقة البحر، وبادرتني: مرحبًا، فهززت لها رأسي، ذلك لأن مزاجي آنئذ لم يسمح لي بمحادثة طفلة صغيرة.
قالت: إني أشيد بناء.
فرددت عليها غير مبالية: ما هو؟
- آه.. لست أدري. أنا أحب ملمس الرمال، وراقتني الفكرة فخلعت حذائي، وحط قربنا طائر بحري من فصيلة زمار الرمل، فهتفت الفتاة: هذا مفرح. سألتها: ماذا؟ قالت: هذا مفرح، تقول أمي إن زمار الرمل يجلب الفرح.
ومضى الطائر البحري نحو الشاطئ، فغمغمت في نفسي: وداعًا أيها الفرح. واستدرت أعود أدراجي. كنت مكتئبة وبدت حياتي بلا معنى وسمعت صوتًا صغيرًا ورائي يسألني: ما اسمك؟
- أنا (روث بيترسون).
- وأنا (ويندي) وعمري ست سنوات.
- مرحبًا يا ويندي.
وكررت ضحكتها المتقطعة وهي تقول: أنت مسلية، وعلى رغم همومي ضحكت أنا أيضًا، ومضيت تتبعني ضحكاتها الموسيقية: تعالي ثانية يا سيدة بيترسون سنقضي يومًا سعيدًا آخر. ولكن الأيام اللاحقة شغلها أناس آخرون، وبعد أسبوع ذهبت إلى الشاطئ وكنت نسيت الطفلة فأجفلت حين طالعتني مرة أخرى: مرحبًا سيدة بيترسون، هلا شاركتني اللعب. فاعتذرت لها لأنني مشغولة، وسألتها: أين تسكن، فقالت: هناك.. وأشارت إلى الشاليهات الصيفية، وتملكتني الدهشة. كيف تعيش هنا في هذا الشتاء البارد؟ وسألتها: أين مدرستك؟ أجابتني: لم أعد أذهب إليها، تقول أمي إننا في إجازة.
كنت قاسية مع الصغيرة ومنغلقة على نفسي، وأسرعت مبتعدة.
بعد شهر أو نحوه عدت إلى الشاطئ، لم تكن ويندي الصغيرة هناك، وبدأت أشعر بالندم والخجل من معاملتي لها، وأعترف بأني افتقدتها، وقصدت كوخ أسرتها بعد جولتي وطرقت الباب ففتحت لي امرأة شقراء على وجهها مسحة حزن، فناديتها: مرحبًا، أنا روث بيترسون، لقد افتقدت صغيرتك اليوم وتساءلت أين تراها تكون؟!
قالت: لقد حدثتني عنك كثيرًا ولكنها مع الأسف ماتت قبل أسبوع، لأنها كانت مصابة بسرطان الدم. بكينا كلاناا، وقالت لي الأم وهي تمسح دموعها: لقد تركت لك رسالة، وعندما فتحتها، وجدت بداخلها رسمًا بألوان الشمع الزاهية؛ شاطئًا أصفر، وبحرًا أزرق، وطائرًا بنيًا، وفي أسفل الصورة كتب بعناية: طائر زمار الرمل لجلب الفرح إلى صديقتي (روث بيترسون). ولا يزال ذلك الرسم الصغير يزين اليوم جدار مكتبتي، ست كلمات، واحدة عن كل سنة من عمرها، تكلمني عن الرضا والشجاعة والحب المعطاء، تلك هديتي من طفلة عيناها بزرقة البحر وشعرها بلون الرمال، علمتني نعمة الحب.