دنيس روس
TT

إيران ليست شريكا لنا: والسعودية لديها خطة تحول وطنية جادة

من بين المناقشات المثيرة للاهتمام، التي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية في واشنطن كانت مناقشة تدور حول ما إذا كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية يمكن أن تكون شريكًا طبيعيًا للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط. وقال البعض إن إيران كانت مناوئة لحركة طالبان في أفغانستان، وكانت تقاتل تنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا. وكانت عدوًا لدودًا للحركات المتطرفة السنيّة المتطرفة، كما كنا بالنسبة لهم، على حدّ سواء. وعلاوةً على ذلك، كانت إيران دولة حقيقية ذات تاريخ طويل وثقافة غنية وعميقة. ومع القيود المفروضة على برنامجها النووي، قد ينبغي علينا طي الصفحة القديمة مع الجانب الإيراني والاعتراف، ليس فقط بوزنهم وقيمتهم الاستراتيجية في المنطقة، ولكن بإمكاناتهم الاقتصادية الهائلة كذلك.
وبالنسبة لأولئك الذين يقدمون هذا الطرح، هناك فرضية غير خافية عليهم: وهي أن بعض دول الخليج العربي، قد ساعدت على تأجيج جذوة التهديدات الراديكالية الإسلامية من خلال دعمها ومساندتها. ومن ثم، ينبغي للإيرانيين، بدلاً من السعوديين، أن يكونوا شركاءنا الطبيعيين - أو على نحو ما كان يقوله أولئك المؤيدون لتلك الحجة.
كنتُ دائمًا ما أجد هذه الحجة مضلِّلة وبصورة جذرية. فلقد كانت هناك دولة ثورية في منطقة الشرق الأوسط، وهي التي رفضت البنية القائمة للدول في المنطقة، وهي التي استخدمت الميليشيات في إضعاف وتقويض الحكومات المركزية في المنطقة، وهي التي استخدمت الإرهاب وباستمرار كأداة من الأدوات في أيديها، وهي التي عارضت السلام بين العرب والإسرائيليين، وهي التي تعقد العزم وبكل تصميم على إزالة كل ما تبقى من الوجود والنفوذ الأميركي في منطقة الشرق الأوسط، لأنها تعتبر الولايات المتحدة «عائقًا كبيرًا» في طريق هيمنتها «المشروعة» على المنطقة. تلك الدولة هي جمهورية إيران الإسلامية.
لم أكن معارضًا للتفاوض مع إيران لمعرفة ما إذا كانت الدبلوماسية بإمكانها منعها من أن تتحول إلى دولة تمتلك الأسلحة النووية. والاتفاقية الشاملة للبرنامج النووي الإيراني، وهي الصفقة التي أبرمت بين مجموعة دول «5+1» والجانب الإيراني، عملت على تقييد البرنامج النووي لإيران وجعلت منها أقل من مستوى التهديد النووي المباشر، وإذا ما نفذت الاتفاقية ودخلت حيز التنفيذ الفعلي بالكامل، فيمكنها منع إيران من تطوير الأسلحة النووية خلال السنوات الخمس عشرة المقبلة، لا سيما أنه خلال تلك الفترة لا يمكن لإيران الحصول على أكثر من 300 كيلوغرام من اليورانيوم منخفض التخصيب، ولا يمكنها كذلك إعادة تشغيل قدرات المعالجة والتخصيب النووية. وكلا الأمرين مطلوب بالنسبة للقنبلة النووية القائمة على أساس اليورانيوم والبلوتونيوم. ويعني ذلك أن الاتفاق النووي اشترى من إيران 15 عامًا. وعلى افتراض أننا سوف نحسن الاستفادة من هذه الفترة الزمنية في تعزيز قدرات الردع، وإقناع الجانب الإيراني أنه سوف يفقدون الكثير والكثير إذا ما حاولوا معاودة السعي للحصول على القنبلة النووية بعد مرور 15 عامًا، عندما يكون حجم ونوعية البرنامج النووي الإيراني غير محدود، يمكن للعالم وقتئذ أن يكون أكثر أمانًا.
ولكن شراء الوقت ليس هو الأمر ذاته إذا ما غيرت إيران نياتها (حتى بشأن القضية النووية) وبدرجة أقل بكثير حيال سياساتها في المنطقة. وكما رأينا، منذ إبرام الاتفاقية الشاملة للبرنامج النووي الإيراني، أصبحت سلوكيات إيران الاستفزازية أكثر عدوانية وسوءًا: التجارب الصاروخية الباليستية، وشحنات الأسلحة المحظورة إلى تنظيم حزب الله، وجماعة الحوثيين وغيرهم، والمناورات العدائية والمهددة حول السفن الأميركية وغيرها من السفن في الخليج العربي، وزيادة استخدام الميليشيات الشيعية في سوريا، وغير ذلك الكثير. وعلى العكس من آمال أولئك الذين اعتقدوا أنه من الممكن تحويل العلاقات مع الجانب الإيراني، ليست هناك احتمالات بشأن ذلك في أعقاب الاتفاق النووي - وليس ذلك بسبب الولايات المتحدة أو إدارة الرئيس أوباما. والاتفاق النووي ذاته أثبت أن علي خامنئي، المرشد الإيراني الأعلى، سوف يقاوم أي علامة من علامات هذا التغيير. ولكن لماذا؟ بسبب أنه بعد التغاضي عن الاتفاق مع الولايات المتحدة وغيرها من القوى الدولية الأخرى، يحتاج خامنئي إلى إعادة التصديق على آيديولوجيته لئلا يبدو أنه قد تخلى عنها بالكلية. فبالنسبة له، كان الاتفاق لا يتعلق بتحويل علاقات إيران بعلاقات دولية، بدلاً من ذلك، كان الأمر يدور حول إنهاء العزلة الاقتصادية والمالية الإيرانية - والمخاطر الحقيقية التي تتهدد المستقبل المنظور للجمهورية الإسلامية.
لا يؤمن المرشد الإيراني الأعلى بفتح أبواب إيران على مصراعيها، فهو يعتبر هذا الأمر من قبيل التهديدات الكبيرة على النظام الإسلامي. ومنذ إبرام الاتفاقية الشاملة للبرنامج النووي الإيراني، حذر خامنئي من «الغزو» التجاري - وفي الواقع، من الإنصاف أن نقول إنه بالنسبة لعلي خامنئي، فإن الغزو التجاري أو الثقافي هو على الأرجح أمر هو يخشاه بأكثر مما يخشى الغزو العسكري لبلاده.
وفي حين أنه اشتكى من أن الولايات المتحدة قد أخلَّت بالتزاماتها حيال الاتفاق، وأن إيران لم تحقق أي مكاسب اقتصادية من ورائه، فليست الولايات المتحدة التي تعوق التقدم الاقتصادي الإيراني. فلقد شجع وزير الخارجية جون كيري الشركات والمؤسسات المالية الأوروبية على التعامل مع الجمهورية الإسلامية.
إذا لم تكن إيران قد شهدت ذلك القدر من الاستثمارات الذي كانت تتوقعه لكان قادتها قد فعلوا ما هو أكثر من أي شخص آخر حيال ذلك. فالمصارف الإيرانية تفتقر لأبسط المعايير الدولية الخاصة بالشفافية اللازمة لإظهار عدم وجود عمليات لغسل الأموال أو تمويل للجماعات الإرهابية. فكيف يمكن للمصارف الإيرانية الوفاء بتلك المعايير في الوقت الذي توفر إيران فيه المساعدات المادية لتنظيم حزب الله وغيره من الجماعات الإرهابية؟ وكان المرشد الأعلى هو من فرض المعوقات على صفقات الطاقة الإيرانية، مع الإعلان العلني عن تحديد 16 مشكلة تتعلق بالصفقات المقترحة مع إحدى الشركات متعددة الجنسيات، وإرسال الأمر برمته إلى الوزارة من أجل إدخال التعديلات اللازمة. لا يريد المرشد الأعلى ولا الحرس الثوري الإيراني فتح اقتصاد البلاد، ويسعى الحرس الثوري للحفاظ على مواقعه المهيمنة على القطاعات المالية، والصناعية، والتجارية المؤثرة في البلاد - ويتماشى هذا، بطبيعة الحال، مع إصرار علي خامنئي على تطوير «اقتصاد المقاومة».
وهنا تبدو مفارقة مثيرة للاهتمام بحق، حيث يغضّ أولئك الذين يعتبرون إيران دولة حقيقية ذات إمكانات هائلة الطرف ليس فقط عن سلوكياتها المشهودة في المنطقة، ولكن عن العوائق الآيديولوجية التي يضعها قادة البلاد على طريق التطور والتنمية. ويصح القول إنه إذا جاءت قيادة إيرانية أكثر براغماتية وواقعية بعد خامنئي تلك التي تسعى نحو المزيد من التطبيع مع دول المنطقة والعالم بأسره، مع الرغبة الأكيدة في فتح أبواب البلاد، وقتها يمكن اعتبار أن الإمكانات الإيرانية فعلا هائلة بالنظر إلى حجمها كدولة وشعبها المتعلم والمثقف. ولكنها مجرد «احتمالات كبرى»، ومن غير المرجح أن تتحول إلى واقع ملموس ما لم تعرض الولايات المتحدة وغيرها من الدول الثمن المناسب لإيران وحرسها الثوري صاحب السياسات المغامرة في المنطقة.
وهناك مفارقة أخيرة: تملك المملكة العربية السعودية في الوقت الراهن خطة تحول وطنية جادة للغاية. وعلى العكس من إيران، فإن الخطة السعودية تبدو أكثر جدية بشأن سعيها نحو التطوير والتنمية والتحديث. ومن المؤكد العزم والإصرار الشديدان لدى السعودية لفتح اقتصاد البلاد، والذهاب إلى أبعد حد ممكن استعدادًا للاكتتاب العام لشركة «أرامكو» النفطية الوطنية العملاقة. وذلك أمر أكثر ما يتطلبه هو قدر غير مسبوق من الشفافية والمساءلة. ومما لا شك فيه أن المملكة العربية السعودية سوف تواجه التحديات على مسار التحول والتنمية، ولكنها على العكس من إيران، فإن القيادة السعودية تعمل على (وتعزز من) التغييرات المحلية بعيدة المدى. ولدينا مصالح مهمة في نجاح المملكة العربية السعودية - كما أن لدينا مصالح في الانضمام إليها ومشاركتها إلى جانب شركاء آخرين ومهمين في منطقة الشرق الأوسط، من أجل مواجهة مغامرات إيران الرعناء في المنطقة. ومن الواضح للغاية الآن مَن هو الشريك الأميركي الطبيعي، ومَن ليس كذلك.
*دبلوماسي أميركي