مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

كريزي هورس

هناك واقعة لا أدري بماذا أشبهها، هل هي تأنيب ضمير؟! هل هي نخوة؟! هل هي موقف؟!
ويبدو لي أن (الموقف) هو الذي ينطبق عليها.
هناك رجل أميركي يقال له: (جويلكو فسكي) اشتهر (كنحات) رغم أنه لم يتلق درسًا واحدًا في فن النحت، كتب له أحد الهنود الحمر، طالبًا إليه أن يصنع تمثالاً لائقًا لتخليد ذكرى الزعيم الهندي (كريزي هورس)، حتى يعلم الرجال البيض أن للهنود الحمر زعماءهم الأبطال.
وبما أن ذلك الفنان كان متعاطفًا مع الهنود الحمر، فقد وافق على أن يقوم بذلك، وباع كل ما يملك ورحل إلى التلال السوداء، ليبدأ في الجبل الأصم نحت أكبر تمثال في التاريخ على وجه الأرض.
وبدأ الفنان (جويلكو فسكي) في نحته سنة 1948، وتوقع أن ينتهي منه بعد 23 سنة، ورفض أن يأخذ أي معونة من الحكومة، غير أن الرسوم التي كان يتقاضاها سنويًا من مئات الآلاف من السياح والمتفرجين عليه، كان يغطي بها التكاليف، وما زاد منها كان ينفقه على علاج ومساعدة فقراء الهنود الحمر.
وواجهته مصاعب جمّة أخرت إنهاء التمثال، ولكنه لم ييأس واستمر بالعمل، وجند أبناءه ليتعلموا ويعملوا معه، وتوفى عام «82»، وما زال هناك 7 من أبنائه العشرة يواصلون النحت، وقبروا والدهم عند سفح الجبل. ولو أن أحدًا منكم شاهد أي إنسان وهو يتسلق رأس ذلك التمثال العملاق، فلن يخطر على باله إلاّ منظر نملة صغيرة وهي تتسلق رأس إنسان، فتماثيل (بوذا) التي مضى عليها أكثر من (1500) سنة والتي فجرها مجانين (طالبان) بكل جهل وغشامة، تلك التماثيل تتواضع جدًا عند ذلك التمثال أو النصب الذي يدعى (كريزي هورس).
وعلى ذكر التماثيل، فقد قدر لي أن أحضر مأدبة غداء عند أحدهم، وكانت الأمور تسير (عال العال)، إلى أن لفت نظر أحدهم تمثال نصفي موضوع على طاولة في ركن الصالون، فقال لصاحب المنزل: حرام عليك تضع هذا (الصنم) في منزلك، فقال له: إنه غير مكتمل، فرد عليه قائلاً: (حتى ولو)، فقال: إنه مصبوب من البرونز وليس منحوتًا، وهو حكمه حكم ألعاب الأطفال المصبوبة من البلاستيك التي تباع في الأسواق.
فهب ذلك الرجل في وجهه قائلاً بغضب: ومن قال لك إن ألعاب الأطفال حلال؟! إنها حرام، ثم حرام، ثم حرام، وإذا لم تخرج ذلك الصنم من مجلسك، فسوف أخرج ولن أتغدى على مائدتك.
عندها تدخلت وقلت لصاحب المنزل: أرجوك لا تنكد عليه.. دعه يخرج، افتح له الباب.
وخرج دون أن يقول لنا: السلام عليكم.