مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

المضحكات المبكيات

ضحكت ومن شدة ضحكي كدت أبكي، وذلك عندما شاهدت بالصدفة قناة تلفزيونية (ملتزمة)، وسمعت أحد المشاهدين يسأل شيخًا مفتيًا ويقول بما معناه:
أنا شاب ملتزم، وجاءتني فرصة للسفر على متن طائرة تحلق فوق بلاد الكفار، وتحتها بيوت يشرب أهلها الخمر ويمارسون الفحشاء، فهل أنا في هذه الحالة مذنب؟!
فرد عليه الشيخ الفطحل قائلاً: عليك يا بني أن تتحدث مع الطيار وتطلب منه أن يتجنب الطيران فوق بلاد الكفار، وإذا كان مضطرًا، فعليه أن يحاول الطيران فوق تجمعات المسلمين، وهذه طريقة سهلة، فمآذن المساجد مرتفعة، ويمكن أن تكون دليلاً للطيران الشرعي الحلال - انتهى.
وهذا الجواب هو الذي حول ضحكي رغمًا عن أنفي إلى بكاء، لأنني لأول مرة أعرف أن هناك طيرانًا شرعيًا حلالاً.
على أية حال التاريخ أحيانًا يعيد نفسه، فهل تعلمون أن (القهوة والشاي) اللذين لا يخلو منزل في بلاد المسلمين منهما، كانا محرمين في يوم من الأيام.
ففي عام 1541م/ 941 هـ، أفتى من جامع الأزهر العلامة (السنباطي) بحرمة القهوة التي قال: إن شاربها سوف يحشر يوم القيامة، ووجهه أسود من قعور أوانيها، واستشهد بقول الشاعر عنها:
قوما اسقياني قهوة رومية / من عهد قيصر دنُها لم يمسس
صرفًا تضيف إذا تسلط حكمها / موت العقول إلى حياة الأنفس
فخرج الناس من المساجد إلى بيوتهم وكسروا أوانيها، وضربوا بعد ذلك من شاهدوه يتناولها في الأسواق.
أما عن الشاهي، فقد نظموا فيه هذه الأبيات.
الشاي شاربه يلهو كسكرانا / ولا يزال في الضلال حيرانا
الشاي بدعة أقوام بيوتهم / من بعد مشربهم فقرًا وخذلانا
أما الذي خذلني وأحبطني وكسر درفة من قلبي، هو ذلك الذي سبق له إباحة رقص النساء في الأعراس بضربهن على الدفوف، ثم تراجع عن فتواه تلك قائلاً: الرقص مكروه، وكنت في أول الأمر أتساهل فيه، ولكن سئلت أسئلة عدة عن حوادث تقع في حال رقص المرأة، فرأيت المنع منة نهائيًا، لأن بعض الفتيات تكون رشيقة وجميلة وخفيفة، ورقصها يفتن النساء بها، حتى إنه بلغني أن بعض النساء إذا حصل مثل هذا تقوم تقبل المرأة التي ترقص، وقد تضمها إلى صدرها، ويحصل في هذا فتنة ظاهرة! - انتهى.
أما الذي أعجبني (بحق وحقيق) ذلك المفتي الذي حرم لباس المرأة للبرقع لأنه يظهر فتنة عينيها، وإذا كان ولا بد، فلا بأس من (بخش) صغير أمام عين واحدة، وذلك لكي ترى الطريق.
ولو أنها كانت من دون ذلك (البخش) تكون أحسن، ونعطيها بدلاً من ذلك عصا العميان البيضاء.