مصطفى الآغا
TT

«إنت مع مين؟»

من زار العاصمة البريطانية لندن خلال فترة عيد الأضحى المبارك سيعرف أن العرب كانوا يمثلون أغلبية زوارها، أو على الأقل في بعض الأماكن التي يوجدون فيها بكثرة وبأعداد كبيرة ومن كل الجنسيات، ومن الطبيعي أن ألتقي بالعشرات منهم إما في الشوارع أو مراكز التسوق أو حتى المطاعم، ولكن من غير الطبيعي أن يكون السؤال الأول بعد السلام عليكم ليس كيف حالك أو كيف صحتك، بل السؤال المباشر ودون أي تمهيد هو: «إنت مع مين؟»
وسبق وقلت أكثر من مرة إنه ليس لدي ما يمنع من التعبير عن انتمائي إلى ناد معين لو كان المستمع أو السائل يتقبل فكرة أن لكل إنسان الحق أن يشجع ناديا أو منتخبًا، أو ما يشاء، ولكن الغالبية يمزجون ويخلطون بين الانتماء والتعصب وقلب الحقائق؛ ولهذا فلو قلت إنك تشجع النادي الفلاني فلن يتقبل منك المستمع أي رأي أو حتى حقيقة إن كان هو يشجع ناديا منافسًا.
وهنا، لا أريد أن أظلم الناس وأتهمهم بتأطير الإعلاميين ضمن فئة المتعصبين؛ لأن بعض الزملاء هم من ساهموا في هذا من خلال مجاهرتهم، لا بل مفاخرتهم ليس بانتماءاتهم، بل بتعصبهم لهذا النادي أو ذاك، ويتنافسون فيما بينهم على من هو الأكثر تعصبًا من الآخر، مع اعترافنا الذي لا يقبل الجدل بحق كل إنسان في الوجود بتشجيع من يرغب، فالمحبة والعشق حرية شخصية لا يمكن لأحد أن يتدخل فيها؛ لهذا نجد الأب يشجع الهلال مثلاً والابن يشجع النصر، والزوجة قد تحب الاتحاد والابنة مع الأهلي، فلا يمكن فرض المحبة على أحد، ولكن هناك فارقًا كبيرًا بين أن تشجع وبين أن تطمس الحقائق وتغير الثوابت تبعًا لمصلحة ناديك، وسبق وشاهدنا وسنشاهد آلاف الحالات التي نرى فيها الإعلامي وغير الإعلامي ينتقد الحكم ويصرخ ويندب على خطأ لم يره، أو لهدف لم يحتسبه، ولكن إن حدثت الحالة نفسها على فريقه نجد موقفًا مغايرًا ومتناقضًا مع مبدأ رفض الغلط من أي طرف كان، وليس تبريره أو تسويغه.
فمنذ فترة شاهدت مثلاً هدفًا يدخل مسافة ربع متر في شباك أحد الفرق، والأمر واضح وضوح العلن لكل من تابع المباراة، وتمت إعادة الهدف مرات عدة، وبتقنية الخطوط ثلاثية الأبعاد، ولكن بعض الزملاء لم يجدوا الجرأة على الاعتراف بأن الهدف يجب أن يتم احتسابه على فريقهم، وربما يبررون ويقولون إن «الخطأ جزء من اللعبة»، ولكن يبدو أن الخطأ جزء من اللعبة فقط إذا كان فريقهم مستفيدًا، أما من كان الخطأ عليهم فالقصة مختلفة تمامًا.
لهذا؛ لا أستطيع لوم الناس على عدم تقبل الحقيقة من الأطراف التي تنافس فريقها إلا إذا وجدت شفافية مطلقة لدى هذه الأطراف على الاعتراف بالغلط والاعتذار عنه، من دون لبس أو جدال، أو دون (ولكن)؛ فما ذبحنا هو هذه الـ(ولكن) التي تنطبق ليس على الأمور الرياضية، بل على أمور إذا كان المتضرر منها طرفًا يعز علينا، وبقناعتي أن الحقيقة هي التي يجب أن تعز علينا ولا شيء سواها؛ لأن الدنيا تدور وما قد نفرح له اليوم قد يحدث عكسه لنا غدًا، وعندها ستتم المقارنة بين موقفنا من المشكلة نفسها بمواصفاتها المتطابقة، ولكن بمواقف متناقضة فقط؛ لأن هوية المتضرر اختلفت.