د. سید آية الله مصطفی داماد
أستاذ في كلیة الحقوق بجامعة الشهید بهشتي ورئیس قسم الدراسات الإسلامیة في المجمع العلمي الإيراني للعلوم
TT

آفة الثقافة

الإنسان لیس سوی نوع واحد، وجمیع البشر من الألوان والأعراق والخصوصیات الأخرى ینتمون إلی الجنس البشري، ونحن نعتبرهم جمیعا أبناء البشر. وفي نفس الوقت، فإن هؤلاء البشر یختلفون عن بعضهم البعض اختلافا كبیرا، رغم تماثلهم وكونهم من جنس واحد. فلا یمكن أبدا أن نجد إنسانین متماثلین ومتشابهین تماما.
والإنسان كثیر رغم كونه واحدا. والكثرة في الوحدة والوحدة في الكثرة، هي الخصوصیة الرئیسة للإنسان. وماء البحر، سواء كان مالحا، أم عذبا فإنه یبقی ماءً وكذلك الإنسان في ذاته وماهیته رغم كل الاختلافات المتنوّعة، فهو لیس سوی جنس واحد. فنحن لا نجد بین كل أنواع الكائنات سوی نوع واحد من البشر لیس إلا.
وبناء علی ذلك، فعندما نتحدث عن البشر ولا نتعامل، إلا مع نوع واحد من البشر، فإن من غیر الممكن الحدیث عن حقوق إنسانیة مختلفة. فما دام الأمر یرتبط بماهیته البشریة، فإن له في كل أنحاء العالم وفي كل عرق وقبیلة ودین ومذهب، حقوقا تتعلق ببشریته.
إن حقوق الإنسان المحلیة أو Local كما یصطلح علیها، هي أسخف المفاهیم التي یمكن طرحها في هذا المجال. فالاختلاف بین البشر في الثقافات والمجتمعات المختلفة، لیس اختلافا جوهریا ولیس اختلافا في الجنس. ولكن یجب الإذعان إلی أن وجود الاختلاف بین البشر لا یمكن إنكاره. فوجود الاختلاف في طریقة تفكیر البشر هو الذي یؤدي إلی تنوع الثقافات.
وعندما یدور الحدیث حول العولمة التي هي من القضایا الراهنة المهمة ویتخذ البعض إزاءها مواقف متطرفة للغایة، ویخشون سیطرة الثقافة الراهنة المهیمنة والتي تمثل ثقافة الغرب وخاصة أمیركا، فإن من الواجب الالتفات إلی أن البشر لیس كائنا یمكن معه صبّ كل الأشخاص ومجتمعاتهم في قالب ثقافة معیّنة.
والإنسان لا تمكن مقارنته مع الآلة والأشیاء المادیة، بل وحتى الكائنات الحیّة الأخرى مع النباتات والحیوانات الأخرى وربما تستبد الثقافة الغالبة علی كل شيء في بدایة الأمر، كما نلاحظ هذه الظاهرة بوضوح الآن في البلدان الإسلامیة والبلدان العربیة، ولكنهم یریدون دفع تیار العولمة إلی الأمام، فهم یخططون له ویبتكرون المئات من الأسالیب الإعلامیة والعلمیة، ویخصصون له مقعدا للتدریس في الجامعات، ولكنهم لا یلتفتون إلی أنه من غیر الممكن وضع البشریة كلّها تحت هیمنة ثقافة واحدة.
إن علی الأشخاص الذین یساورهم هاجس الهویة والثقافة الإیرانیة، أو الإسلامیة، أو كلتيهما، أن یلتفتوا إلی أن الإیرانیین إذا واجهوا بوعي تیارَ العولمة الذي لا یعد الیوم خیارا، بل هو أمر مفروض عالمیا، فلن یحدث شيء من نوع خاص، وسوف تبقی الهویتان الإیرانیة والإسلامیة ولن یقطعوا علاقتهم بثقافتهم وتقالیدهم.
وبعبارة أخری، فإن الهویة الإیرانیة لا یمكن أن تستسلم وسوف تشق طریقها في المستقبل. ولكن لا یمكن الاطمئنان إلی أن هیمنة الثقافة الغالبة لا تبقی، فنحن علینا باعتبارنا إیرانیین ومسلمین أن نعتمد علی ثقافتنا وهویتنا في نفس الوقت، الذي نذعن فیه إلی ما یحدث علی أرض الواقع في العالم.
وعلی أي حال، فإن الثقافة الغالبة لا بد وأن تشق طریقها كتیار الماء. فإن تغلّب الماء فإنه سیملأ كل السطح وكل الحُفَر. وهكذا الحال بالنسبة إلی الثقافة، فإنها تغطّي بطبیعة الحال كل زوایا المجتمع. ولذلك، فإن البلدان المتقدّمة وخاصة أوروبا وأمیركا تشعر بالارتیاح لذلك إلی حد كبیر؛ ذلك لأن ثقافتها هي الغالبة. فقوة التكنولوجیا وقوة العلم والأهم من كل ذلك القوة الاقتصادیة هي بشكل بحیث یمكنها نشر النفوذ الثقافي للغرب، وكما قلنا فإن مظاهر هذه السیطرة مشهودة في كل مكان.
ونحن لا یمكننا الیوم أن نكتفي بأننا كنا أصحاب الثقافة الغالبة في یوم من الأیام، وأن الفلسفة والحضارة انتقلتا من الشرق إلی الیونان والغرب وما إلی ذلك؛ نحن بحاجة إلی عمل ثقافي واسع وعمیق تقف أمامه بالطبع الكثیر من العقبات. صحیح أننا نتمتع بتاریخ مشرق، ولكن التاریخ والخلفیة الثقافیة المشرقة لا یمكن أن ینفعا شعبا ما، إلا إذا تحرّك هذا الشعب نحو المستقبل.
وبناء علی ذلك، فإن الثقافة الغالبة حتى إذا فرضت هیمنتها بشكل مؤقت، فإن هذه السیطرة ستكون سطحیة ومؤقتة إن استطعنا ألا ننسلخ عن هویتنا وأن نعتمد مرة أخری علی هویتنا وثقافتنا.

* أستاذ في كلية الحقوق في جامعة الشهيد بهشتي ــ ورئيس قسم الدراسات الإسلامية في المجمع العلمي الإيراني للعلوم