محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

«إجازة الأبوة»

منح صاحب إمبراطورية مجموعة «فيرجن» موظفيه الرجال حق الحصول على «إجازة أبوة» مدفوعة الأجر لمدة عام كامل. وقد تجاوز صاحبها الملياردير البريطاني ريتشارد برانسون امتيازات القانون الإنجليزي المعدل أصلاً بمنح الجنسين حق تقسيم تلك الإجازة بينهما، بحيث زادت «فيرجن» عن ذلك بأن تكون مدتها 12 شهرًا وتشمل الزوج والزوجة معًا.
الملياردير الشهير بمبادراته الإدارية اللافتة وأعماله الخيرية ينطلق من فلسفة أعلنها مرارًا بأنه «إذا اعتنيت بموظفيك فسيعتنون بأعمالك». ويبدو أن ذلك صحيح، لأن العكس هو الصحيح بطبيعة الحال.
فلك أن تتخيل نفسية المرأة العاملة حينما تجد إلى جوارها زوجها وهما يتقاسمان فرحة المولود الجديد، ويتحملان أعباء الأسرة لاحقًا. وهذا الأثر النفسي يظهر بوضوح على المرأة العاملة في وظيفة لا تتساهل مع إجازة ما بعد الولادة، فيترتب عليها تأخير ترقيتها أو إلغاء مكافأتها السنوية وإن عملت بتفانٍ معظم أيام السنة. وهو أمر محزن لأنها لا تمارس سوى دور الأم في المجتمع. أذكر أنني ذات يوم قلت لمدير متشدد في إجازاته للموظفات بعد وضعهن إنك غير متزوج الآن لكنك ستمر بالمعاناة نفسها مع زوجتك كونك تعكر مزاج هذه المسكينة وتضاعف همها بأسلوبك الإداري القاسي.
كلنا بشر نحتاج إلى من يقف بجانبنا، لكننا نعيش في مجتمعات يتوقع بعضنا أن تتصدى الزوجة لدور الأم منفردة من دون أن يمد إليها الرجل يد المساعدة سواء بالإجازة أو تفهم احتياجاتها عند تعيينها في مناصب قيادية. ولحسن الحظ فقد أظهرت دراسات سابقة أن «الشركات التي تعين نساء في 30 في المائة من مناصبها القيادية، تحقق أرباحًا أكثر بنسبة ستة في المائة من الشركات الأخرى التي لا تعين نساء في مناصب عليا»، بحسب صحيفة «الحياة».
وعلى صعيد الأب، فإن منحه «إجازة أبوة» تبين أيضًا أنه يساعد النساء على تحقيق «تقدم أكبر في عملهن داخل الشركات التي تقدم إجازات أبوة مدفوعة الأجر لموظفيها» بحسب الدراسة نفسها التي أعدها معهد «بيترسون للاقتصاد الدولي» في أميركا، حيث اتضح في الدراسة التي أجريت على بيانات 22 ألف شركة في 91 دولة أن الشركات التي تسمح للإناث بتبوء مناصب قيادية، كانت تمنح موظفيها الذكور حق التمتع بإجازات أبوة أكثر بـ11 مرة من الشركات الأخرى.
ولا غرابة في ذلك، لأن الأمر نفسي بحت. وهذا ما يحتم ضرورة إعادة النظر في منح الأب إجازة أبوة أطول وليس يومًا واحدًا. كما أن المبادرة الحقيقية في إسعاد الموظفين لا تكمن في تذكيرهم بحقوقهم المكفولة بالقانون بل في مفاجأتهم بمكافآت غير متوقعة.. منها «إجازة الأبوة»!