مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

وحّدوه

أفقت هذا الصباح وكلي نشاط وحيوية وتفاؤل، أخذت (دشًا) باردًا سريعًا، وتناولت إفطاري على عجل، وما بين كل لقمة وأخرى كنت أترنم بلحن (فرايحي) جميل ممنيًا نفسي بيوم سعيد، وما إن انتهيت حتى تناولت الصحف لألقي نظرة عليها، ويا ليتني لم أفعل، وإذا بعيني كأن بها (مغناطيسًا)، أول ما وقعت على إعلان جانبي جاء فيه بالحرف الواحد:
قال صلى الله عليه وسلم: (إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه)، ونحن لدينا لك الكفن المناسب، من القطن الفاخر مقاس (260X180) + إزار+ سدر طيب + كافور+ ليفه + رسالة تعليمات في كيفية تجهيز الميت، وكلها داخل كرتون أنيق، وأسعارنا تنافسية، فالثمن كله لا يزيد على (120) ريالاً، يا بلاش.
وتحت الإعلان مكتوب بالخط الأحمر: مطلوب اختصاصي تسويق، وله نسبة (10 %).
وانقلب مزاجي فجأة بقدرة قادر وتحول من الفرح إلى الكآبة، فنحيت الصحف كلها جانبًا، وأخذت أفكر باليوم الآخر، وأعدد ذنوبي على أصابع يدي.
وبعد أن تعوذت من إبليس وهدأت قليلاً، تذكرت الكاتب البريطاني (بن جونسون) الذي كانت أمنيته أن يُدفن في دير (وستمنسر)، وبما أن صديقه هو المطران (ويليامز) وهو المشرف على ذلك الدير، فطلب وساطته لمنحه قطعة أرض طولها 60 سنتيمترًا وعرضها 60 سنتيمترًا ليُدفن فيها، وهذا ما حدث بالضبط، فعندما توفي دفنوه في وضع منتصب (وقوفًا)، وكفنوه فقط بقماش قطني، ودون تابوت، لكي لا يأخذ مساحة أوسع مما طلب.
اعذروني لو أنني (صبحتكم أو مسيتكم) بهذه الفقرة التي أحاول أن أتجاوزها لما هو أمتع، ولكن، ومع ذلك، (وحّدوه).

***

ردت الكاتبة الفرنسية (كوليت) بخبث على الرأي القائل إن رجال اليوم أقل ذوقًا مما كانوا عليه، بالآتي: إنكم تغالون، فأمس شاهدت أحد سكان بناياتنا يسند زوجته بذراعه بينما كانت تحمل سطل النفايات لرميه.
***
يؤكدون أن الفاشلين قسمان: قسم فعل ولم يفكر، وقسم فكر ولم يفعل.
ولكن ما رأيكم بمحسوبكم الذي لم يفعل ولم يفكر البتة، وكل همه أن يأكل ليعيش؟!
وصدق من قال: للذكاء حدود، لكن لا حدود للغباء، وأصدق منه من قال: إن الغباء خبز عالمي.
وإذا كنتم لا تصدقون فانظروا للقطعان - أي للسواد الأعظم من الناس.
***
الحقيقة (عارية) أكثر من اللازم - والغريب أنها لا تثير كثيرًا من الرجال - وأولهم أنا ولا فخر. إنني من هذه الناحية فقط (طربيل).