د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

أبحاث متواصلة عن حقيقة تأثيرات الحمل بالولد أو بالبنت

لا يزال حمل المرأة بولد أو ببنت يثير النقاش بين الأمهات عند حديثهن عن ذكريات حملهن بكل واحد من أطفالهن، وما عانينه عند الحمل بطفل أو طفلة دون طفل أو طفلة أخرى، وكذلك عند الولادة ومرحلة الرضاعة. ولكنه أيضًا موضوع يُثير النقاش بين الباحثين الطبيين دون الوصول حتى اليوم إلى نتائج مقنعة علميًا يُمكن الاستفادة منها كتطبيقات عملية خلال العمل الإكلينيكي.
وضمن عدد 11 يوليو (تموز) من مجلة «بلوز وان» الطبية (PLOS ONE)، عرض الباحثون الأستراليون نتائج محاولتهم دراسة الفروق التي يُمكن أن تكون لها تأثيرات على الأم الحامل أو على سلامة الحمل، وذلك بمقارنة ذلك عند حمل المرأة بجنين ذكر أو جنين أنثى. وأفادوا بأنه من المرجح أن تكون ثمة احتمالات حصول مضاعفات الحمل الخطيرة عند النساء حينما تحمل المرأة بطفل ذكر.
وبعد تحليلهم ودراستهم لأكثر من نصف مليون حالة ولادة في أستراليا، قال الباحثون إن جنس الجنين ربما يكون له ارتباط بصحة كل من الأم والطفل. وعلّقت الدكتورة بترا فيربورج، الباحثة الرئيس في الدراسة من معهد بحوث روبنسون في جامعة أديلايد بأستراليا، بالقول: «جنس الجنين له ارتباط مباشر مع مضاعفات الحمل».
ولاحظ الباحثون في نتائج دراستهم أن الحمل بصبي يرفع من احتمالات حصول الولادة المبكرة، وهي الحالة التي ترفع من احتمالات تعرض الوليد لمشكلات صحية تتطلب عناية طبية لمساعدته على تخطي تلك الفترة قبل اكتمال النمو واكتمال تهيؤ الجنين للخروج إلى الدنيا. ولاحظوا أيضًا في نتائجهم أن المرأة الحامل بصبي ترتفع لديها بمقدار يسير، احتمالات حصول حالة «سُكري الحمل» Gestational Diabetes، وحالة «مقدمات الارتجاع» أو ما يُعرف بـ«ما قبل تسمم الحمل» Pre - Eclampsia وهي من الحالات المرضية التي يحصل فيها ارتفاع في ضغط الدم لدى المرأة الحامل واضطرابات في عمل الكُلى.
وعلى الرغم من اعتراف الباحثين بأن معرفة الأسباب وراء هذه الاختلافات في تأثيرات الحمل خارج عن نطاق غايات الدراسة الطبية هذه، فإن الدكتور بيترا فيربورج قالت: «إن الأمر ربما له علاقة بعوامل الجينات الوراثية».
من جانبها، علقت الدكتورة كيروبي سانتا - ريفز، غير المشاركة في إعداد الدراسة والطبيبة المتخصصة في طب الأطفال حديثي الولادة في مستشفى نيكلوس للأطفال في ميامي، بالقول: «النتائج قد تكون صحيحة»، وأضافت أنها ترى هذه الفروق في تأثيرات الحمل بالصبي أو البنت من خلال عملها الطبي اليومي. واستطردت بالقول: «كون جنس الجنين ذكرًا هو مما يحمل في طياته عوامل لمشكلات صحية مباشرة بعد الولادة، خصوصًا عند حصول الولادات المبكرة».
وأوضح الباحثون أن النتائج في الدراسة تتوافق مع نتائج دراسات أخرى سابقة بحثت في الموضوع نفسه، وقالت الدكتورة فيربورج إن ثمة تفسيرًا محتملاً وهو أن المشيمة (Placenta)، أي الجهاز الذي يتغذي عبره الجنين من دم الأم، هي بالفعل مختلفة في حالات الحمل بالبنين عنها في حالات الحمل بالبنات. وقالت الباحثة المشاركة في الدراسة الدكتورة كلير روبرتس، وهي باحثة أخرى في معهد بحوث روبنسون الأسترالي: «إن المشيمة هي عنصر حاسم لنجاح الحمل، وهي جهاز ينتمي فنيًا وتقنيًا لجسم الطفل الجنين وليس جزءًا من جسم المرأة، ولذلك تتطابق خلايا المشيمة جينيًا وراثيًا مع الجينات الوراثية لخلايا جسم الجنين».
وفي بحوث سابقة من معهد روبنسن لاحظ الباحثون أن في حالات الحمل الطبيعي ثمة اختلافات بين الأجنة الذكور والأجنة الإناث في التعبير عن جينات رقم 142 في خلايا المشيمة، وقال الباحثون إن أي عيوب في كيفية نمو وتكوين المشيمة وفي طريقة ومستوى كفاءة عملها هي أمور مرتبطة باحتمالات حصول مضاعفات ومشكلات صحية في عملية الحمل.
وكان الباحثون الأستراليون في دراستهم الحديثة قد قاموا بمراجعة وتقييم أكثر من 574 ألف حالة ولادة حصلت في أستراليا في الفترة ما بين عامي 1981 و2011. ووفق ما ذكره الباحثون في نتائج هذه الدراسة، فإنه بالمقارنة مع الفتيات، كان لدى الأولاد ارتفاع في احتمالات حصول الولادة المبكرة Preterm Birth في الفترة ما بين الأسبوع 20 من عمر الحمل والأسبوع 24 منه، وذلك بنسبة 27 في المائة. كما كان هناك ارتفاع بنسبة 24 في المائة في احتمالات حصول الولادة في الفترة ما بين الأسبوع 30 والأسبوع 33 من عمر الحمل، وأيضًا في ارتفاع احتمالات حصول الولادة في الفترة ما بين الأسبوع 34 والأسبوع 36 بنسبة 17 في المائة. ومعلوم أنه وفق تعريف الكلية الأميركية لطب النساء والتوليد American College of Obstetricians and Gynecologists فإن الولادة بفترة مكتملة Full - Term Birth هي التي تكون حينما يكون عمر الحمل ما بين الأسبوع 39 والأسبوع 41 من عمر الحمل.
وأضاف الباحثون في نتائج دراستهم علاوة على ذلك، أن احتمالات حصول سكري الحمل هي أعلى بنسبة 4 في المائة لدى النساء اللواتي يحملن بصبي، واحتمالات حصول حالات «ما قبل تسمم الحمل» عند اكتمال الحمل At Term هي أعلى بنسبة نحو 8 في المائة عند الحمل بصبي.
وعلى الرغم من كل ما تقدم، لا تزال هذه النتائج من نوع «الملاحظة»، فالدراسة لم تُثبت، ولا هي حاولت ذلك، باعتراف الباحثين، أن ثمة علاقة من نوع «السبب والنتيجة» فيما بين تأثيرات الحمل بصبي أو ببنت، بمعنى أن نوع جنس الجنين ليس تلقائيًا عاملًا من الثابت علميًا أن له تأثيرات سلبية ويحمل نوعًا ثابتًا من المخاطر على صحة الأم الحامل أو الجنين. ولذا فان الباحثين أنفسهم قالوا إن النتائج يجدر بها أن لا تقرع ناقوس الخطر لدى الأمهات، ولكن يجدر بالأمهات أن يُبدين الاهتمام المطلوب طبيًا في متابعة الحمل والالتزام بالتغذية الصحية الجيدة والحفاظ على وزن صحي خلال فترة ما قبل الحمل وخلال مراحل الحمل، والامتناع عن التدخين والحفاظ على مستوى اللياقة البدنية. وأكدوا على أن الرسالة التي يُمكن أخذها من نتائج الدراسة هي ضرورة الحرص على المتابعة الطبية خلال الحمل.