ديفيد اغناتيوس
صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست". كتب ثماني روايات، بما في ذلك "جسد الأكاذيب"
TT

روسيا واختراق «اللجنة الأميركية الديمقراطية»

على مدى عقود، استخدمت وكالات الاستخبارات الروسية ما يطلقون عليه «الإجراءات النشطة» لزعزعة استقرار منافسيهم، والآن تبدو روسيا بصدد تكرار تلك الإجراءات مع النظام السياسي للولايات المتحدة، وفي سبيل ذلك تبدو كأنها تخالف القاعدة رقم 1 لنشاط الجاسوسية، الذي يشدد على الحرص على عدم الوقوع متلبسا بالجرم.
يقول المسؤولون الأميركيون إن لديهم أدلة قوية على أن وكالات الاستخبارات الروسية قامت بالقرصنة على ملفات «اللجنة الديمقراطية الوطنية» على مدار العام الماضي. غير أنهم أقل يقينا بشأن تعمد تسريب المخابرات الروسية لبعض تلك الملفات لموقع ويكيليكس بهدف عرقلة حملة هيلاري كلينتون الانتخابية، رغم أن بعض الخبراء رجحوا تنفيذ تلك «الحرب المعلوماتية».
اتسع نطاق القرصنة السياسية الروسية الجمعة الماضية في ضوء تقارير أفادت بأن أنظمة الكومبيوتر الخاصة بحملة كلينتون ولجنة الحزب الديمقراطي بالكونغرس قد اخترقت.
وعند سؤاله عن احتمالية أن تكون روسيا قد تعمدت التأثير في الانتخابات الأميركية، ردّ الرئيس أوباما على سفينا غاثري، مقدم برنامج «توداي» بقناة «إن بي سي»، بقوله: «كل شيء ممكن». مضيفا: «ما نعرفه هو أن الروس قد اخترقوا أنظمتنا»، وأنهم «يحاولون بشكل متواصل التأثير في الانتخابات في أوروبا». من المعروف أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نشأ وسط بيئة الاستخبارات الروسية (كي جي بي)؛ حيث كان استخدام تلك الأساليب أمرا اعتياديا في ظل الحرب الباردة بين البلدين، ويبدو أنه حمل تلك المهارات التجسسية إلى الكرملين، فنفذ عمليات القرصنة الإلكترونية، ومارس الدعاية السوداء وغيرها من الأساليب التي نطلق عليها اليوم «الحرب الهجينة».
قال المسؤولون الأميركيون إن وكالة الاستخبارات الروسية قامت في السنوات الأخيرة بتمويل أحزاب في أوروبا، وقدمت الدعم المالي الخفي لقنوات الدعاية، وقامت بسرقة خط كهرباء أوكرانيا ومارست القرصنة الإلكترونية مع الدول المجاورة، وكونت شبكات من «الغيلان» لمهاجمة الأعداء عبر الإنترنت.
لماذا يلجأ بوتين إلى مثل تلك الإجراءات لزعزعة استقرار جيرانه؟ الإجابة لأنها تؤتي ثمارها.
لكن اختراق «اللجنة الوطنية الديمقراطية» ليس بالأمر الهين؛ إذ إن إثارة هذا الأمر استتبعه ردود أفعال عنيفة في الأيام الأخيرة شمل كبار المسؤولين الأمنيين الذين اجتمعوا هنا في لقائهم السنوي الذي يعرف باسم «مؤتمر أسبن للأمن».
فعندما تكتشف الولايات المتحدة دليلا على الاحتراق الخارجي، يتحتم عليها أن «تعلن ذلك على الملأ»، وفق جون كارلين، مساعد المدعي العام للأمن القومي. وقال جيمس كلابر، مدير وكالة الاستخبارات الأميركية، إنه لم يصل بعد إلى الجهة التي تقف خلف اختراق اللجنة الوطنية الديمقراطية»، لكن من منظور استخباراتي، الولايات المتحدة «في حالة حرب» مع روسيا. وقالت مساعدة وزير الدفاع الأميركي للأمن القومي، إليسا سلوتكين، إن «الروس مستمرون لسنوات في تنفيذ فلسفة الإجراءات النشطة»، مضيفة أن «الروس يعمدون لزرع بزور الشقاق بصفة عامة».
إن أكثر ما يقلق الولايات المتحدة هو أنه في ضوء علمها بنوايا روسيا اتخاذ إجراءات خفية ضد خصومها، فقد تتدخل روسيا سرا قبل الانتخابات المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) مباشرة. وقد يشمل هذا نشر رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهيلاري كلينتون لإرباكها، وهو ما طلب دونالد ترامب، مرشح الحزب الجمهوري، من روسيا أن تفعله. وقد يشمل ذلك أيضا ترويج أخبار كاذبة، أو إيجاد طريقة للتسبب في اضطراب الأسواق المالية؛ إذ إن النظام السياسي الأميركي هدف مفتوح ومعرض للهجوم.
لماذا تستهدف روسيا «اللجنة الوطنية الديمقراطية» في عملية تشبه إلى حد مخيف نيكسون في البيت الأبيض عام 1972 والسطو على مقر اللجنة الوطنية الديمقراطية في الفضيحة المعروفة باسم «ووتر غيت»؟ جزئيا، كانت عملية جمع معلومات تشبه ما جرى في العملية الصينية لاختراق المعلومات في حملات باراك أوباما وجون ماكين الانتخابية عام 2008.
لكن قد تكون لموسكو ميول عدائية تجاه كلينتون، فعندما كانت وزيرة للخارجية باركت عمليات الاحتجاج والانشقاق في روسيا خلال انتخابات عامي 2011 و2012، مما جعل بوتين يستشيط غضبا بسبب «إشاراتها لهم بالموافقة التي استتبعها دعم وزارة الخارجية الأميركية للانشقاق الروسي، مما تسبب في زيادة نشاط المنشقين وشروعهم للعمل على الأرض».
كيف حصلت «اللجنة الوطنية الديمقراطية» على وثائق ويكيليكس؟ ادعى قرصان روماني مفترض يطلق على نفسه اسم «غوسيفر 2.0» المسؤولية عن ذلك، غير أن بعض الخبراء يعتقدون أن هذا الأسلوب يعرف وسط الاستخبارات باسم (الراية الخطأ)، وذلك بهدف إخفاء تورط الروس في الأمر.
لكن ماذا عن ترامب؟ ادعى البعض أنه المستفيد الأول من اختراق موسكو لملفات «اللجنة الوطنية الديمقراطية»، لكن يبدو أن ترامب يمثل ما يطلق عليه ضباط الاستخبارات الروس اسم «الأبله المفيد»، وهو الشخص الذي يرعى حملة موسكو لزعزعة الاستقرار في أميركا عن غير عمد.
*خدمة: «واشنطن بوست»