مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

لا أعرف الجادة

بحكم أنني منذ أن نزلت من رحم أمي وأنا تلميذ أتعلم، وما زلت إلى الآن لم أتخطَ ولله الحمد مرحلة التلمذة بعد، وكلما قرأت أو عايشت أستاذًا يعلمني أول ما يخطر على بالي هي تلك الأغنية التي لا أطيقها: (يا معلم منك نتعلم)، لأنني مؤمن بالمبدأ القائل: (من علمني حرفًا صرت له عبدًا)، لهذا ما زلت حتى هذه اللحظة، وأنا أرسخ في أصفاد العبودية، رغم أن هيئة الأمم في حقوق الإنسان حرَّمت وجرَّمت هذا (الفولكلور) الظلامي عبر تاريخ الإنسانية، غير المشرف. المهم ما علينا، فما زلت أقرأ وأتعلم وأتتلمذ، وإليكم ما قرأته عرضًا قبل دقائق في أحد الكتب الصفراء، ووقع في (نافوخي) موقع الإعجاب:
قال بعض الحكماء: لا يكن منكم المحدث ولا ينصت له، ولا الداخل في سر بين اثنين ولم يدخلاه فيه، ولا الآتي إلى الدعوة ولم يدع إليها، ولا الجالس في مجلس لا يستحقه، ولا الطالب الفضل من أيدي اللئام، ولا المتعرض للخير من عند عدوه، ولا المتحمق في الدالة.
الواقع أنني فهمت الأولى، وكذلك الثانية، والثالثة، والرابعة، والخامسة، والسادسة، رغم أنني في الحقيقة لم أطبق، ولا واحدة منها طوال حياتي. أما النصيحة السابعة، فهي التي (غم عليَّ ولم أفهمها البتة). يعني إيه (المتحمق)، وما (الدالة)؟! الذي أنا متأكد منه، أنني لا أعرف (الجادة) - أي الطريق - ولتتيقنوا أنني أضرب بكلام الحكماء عرض الحائط، فما أكثر (رغيي) في المجالس، أي أنني (مهذار) كثير الحكي بالفاضي والمليان، وقد عرف البعض هذه الصفة أو الهواية الملازمة لي، لهذا هم يسدون آذانهم، ويواصلون نقاشهم المنطقي مع بعضهم البعض كأنني غير موجود.
ولا شيء (يحرقصني) أكثر من تتبع الإشاعات، لهذا أحشر نفسي حشرًا إذا عرفت أن هناك سرًا بين اثنين، لهذا دائمًا ما أتهزأ وآكل على رأسي، ومع ذلك لم أتب بعد.
أما عن ذهابي للمناسبات التي لم أُدعَ إليها، فحدثوا ولا حرج، ولم يكسر خاطري إلا إذا أغلقت الأبواب بوجهي، أو صدني على صدري أحد (السكيورتي) بيده الغليظة.
ومن (لقافتي) حبي لتصدري الكراسي في أي مجلس، وما أكثر ما سمعت بكل (جفاصة) جملة من يقول لي: (قم هذا ما هو مكانك)، أو (قم تقلع).
أما أنني أطلب الفضل من أيدي اللئام، وأتعرض للخير حتى من عدوي، فإنني أكذب لو قلت لكم إنني لم أفعل ذلك، المهم أن أنال حتى لو النزر اليسير، فالمبادئ عندي لها وجهة نظر، وكثيرًا ما (وضعتها على الرف).
باختصار أنني تلميذ نجيب لـ(ميكافيللي)، فالغاية يا حلوين تبرر الوسيلة لا أكثر ولا أقل، وذلك عند محسوبكم.