هل ما يكتبه صحافيون وإعلاميون على «فيسبوك» و«تويتر» وسائر مواقع التواصل الاجتماعي يخضع لمعايير كتابة مقال أو تعليق أو خبر في وسيلة إعلام تقليدية؟
إلى الآن لا يزال هذا السؤال الذي نناقشه منذ سنوات إشكاليا، وإجابته تحمل تأويلات مختلفة، خصوصا مع التغيرات السريعة التي تحصل في كيفية تعاملنا مع ما نقول وننشر عبر تلك الوسائط.
جميعنا يحاول استخلاص الإجابة وفق تجربته ومحيطه، فنحن غالبا ما نتابع كيف يثير تعليق فيسبوكي مثلا زوبعة سياسية وإعلامية، أو كيف تتسبب تغريدة على «تويتر» في خسارة مطلقها لعمله، وتعرضه لحملة تشهير تتجاوز أحيانا قوة ما يقول. نحن بتنا يوميا على تماس مع وقائع من هذا النوع، أعني انعكاسات مباشرة وضخمة أحيانا لما نقوله ونعبر عنه على وسائل التواصل الاجتماعي. وما نكتبه في هذه المساحات بات يخلق كثيرًا من السجالات، بل ويصل الأمر إلى أن يخسر البعض صداقات أو عملا جراء ما يكتب ويقال.
وبعد سنوات من تمارين عشوائية نخوضها في المنطقة مع مفهوم حرية التعبير والرأي، أسهمت السوشيال ميديا في تحريك سجالات مكبوتة وراكدة باتت مربكة للبعض، فعادت المواقف لتكون أسيرة الحذر والمداهنة أو الجرأة والتحدي من ناحية أخرى..
المشكلة هي ذاك التداخل الكبير ما بين العام والخاص، وتوسع مساحات السباب والشتائم والكراهية على حساب الفكرة المجدية، وهذه احتكاكات تنجح أحيانا للأسف في استدراجنا نحو جولات صدام غاضبة. والمشكلة في وسائل التواصل الاجتماعي هو جنوح كُثر من مستخدميه إلى فكرة التشهير أكثر منها محاولة إحداث تغيير فعلي. فما بين جنوح تلك المواقع نحو انتهاك خصوصية الأفراد وما بين منحها للفرد نفسه مساحة تعبير لم تكن متاحة أصلا تتأرجح العلاقة والمواقف وتختلط..
لا شك أن سرعة توسع مساحات التواصل الاجتماعي أعادت خلط المعاني والدلالات، فكيف يفترض بنا أن نميز كتابة التغريدة من التعليق في «تويتر» و«فيسبوك» عن الكتابة الصحافية التقليدية. وللحقيقة هذا السجال يغوينا جميعا خصوصا مع القيود التحريرية والسياسية التي تحكم وسائل الإعلام التقليدية، ومعها تبدو الخواطر التي نخطها في مواقع التواصل تحقق حلما هو ديمقراطية الكتابة، وما يقترن مع ذاك التعبير من التخفف من قيود السياسة والتمويل.
لكن تلك التعليقات التي هي أشبه بالبوح تستدعي كثيرًا من ردود الأفعال أحيانا فتنشب شجارات ومعارك متفرقة، تكاد لقسوتها أن تكون دامية افتراضيا خصوصا حين يتضمن الرأي الإشكالي مسائل لا إجماع عليها، أو تتجاوز حدود المألوف والمسموح به فتعتبر عند البعض جارحة أو مهينة. وهنا تبدو التعليقات المتعلقة بالسياسة والدين والحرية الشخصية أبرز عناوين الصدام، وفيها نصيب واسع للتعليق وردود الأفعال التي قد تكون في منتهى الفظاظة، وتحمل تحريضا على العنف. فمسائل السياسة والدين والحرية الشخصية غالبا ما تعصف بالعقل الجمعي، وتخرج كلا من الكاتب والمعلق عن طورهما.
لا شك أن روح عصرنا هي الروح التي تبثها وسائل التواصل الاجتماعي بغثها وثمينها، فهي باتت قوة محركة للحياة الفردية والاجتماعية والسياسية الراهنة، وهذا ليس تقويما بقدر ما هو وصف لواقع. لكن هذه الروح تصطدم بجدران كثيرة من بينها الرقابة من جهة والشعبوية المفرطة.
8:2 دقيقه
TT
تعليقات ليست عابرة
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة