د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

دعوة للتفكير ونقد الذات

فجع العالم العربي والإسلامي بإقدام شابين توأمين في السعودية بقتل والدتهما، ومحاولة قتل والدهما وأخيهما الأصغر، كما أقدم شاب كويتي على قتل شقيقه الأكبر نحرًا بالسكين، وادعى بأنه ملحد وكافر.
لقد أدانت السعودية والكويت العمل الإجرامي. كما بادر رجال الدين كعادتهم في كل مرة بإصدار بيانات الإدانة، واعتبار ما حدث جريمة لا علاقة لها بالدين، وأن أنصار «داعش» لا يفهمون الإسلام الصحيح ولا تعاليمه السمحة وغيرها من العبارات.
في منطقتنا هناك بعض المشايخ الذين لديهم الاستعداد لتكفير من يختلف معهم بالرأي، ويهاجمون الليبراليين والعلمانيين على حد سواء.. لكنهم لا يكفرون هذا التنظيم المتطرف، المسمى «داعش»، مع أن هؤلاء البعض من المشايخ لا يرضون عن أعمال «داعش». لا أحد ينكر موقف دول الخليج في دعوتها وحملتها القوية في محاربة «داعش»، وملاحقة أنصاره ومموليه، لكن علينا اليوم مراجعة تامة لكل الخطوات التي تم اتخاذها، ولم تفلح في القضاء على انتشار فكر المغالاة في الدين والتطرف وإقصاء الآخر في مجتمعاتنا.
لا يتسع المجال لاستعراض بروز ظاهرة الإسلام السياسي وانتشارها بعد الهزيمة العربية عام 1967. يبدو أن المشكلة انفلت زمامها منذ الغزو السوفياتي لأفغانستان، حيث إن هناك دولاً من ضمنها الدول الخليجية دعمت المقاتلين الأفغان لقتال الغزو الشيوعي هناك، وذهب كثير من الشباب العربي للقتال في هذا البلد. لكن المشكلة أن الساحة الأفغانية أصبحت بؤرة خطرة فيما بعد، وخرّجت شبابًا عنيفًا متمردًا ومتطرفًا، حيث أدت هذه الحرب إلى بروز تنظيم القاعدة الذي كان الغرب يقف وراءه ويدعمه.. وهكذا انطلق هذا التنظيم في تبني أفكار متطرفة أدت إلى أن ينقلب هذا التنظيم على الغرب نفسه، ويتسبب في كارثة 2001 في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول).
التركيز على الماضي لن يجدي، خصوصًا بعد أن وعت دول الخليج واكتشفت أن هؤلاء المنضوين في «القاعدة» وغيرها عادوا إلى بلدانهم لزعزعة استقرارها وتغيير طبيعة المجتمع، والعودة إلى ما يدعون أنه نظام الخلافة. السؤال الذي علينا مواجهته.. ما العمل؟ وكيف يمكن الحد من ظاهرة العنف والقتل؟ فعناصر التيارات المتطرفة في البداية أجازوا قتل الأجانب، لأنهم غير مسلمين، وبعد عودتهم أجازوا قتل الجنود وقوات الأمن في بلدانهم، لأنهم يدافعون عن الأنظمة الكافرة حسب وجهة نظرهم.. لكن ظاهرة التطرف والمغالاة في الدين دفعت هذه الجماعات إلى قتل المصلين في المساجد، وبعد ذلك تطور الفكر المتطرف ليشمل الأقارب، خصوصًا من يعمل في الجهاز الأمني العسكري، والآن وصلنا إلى مرحلة أو ظاهرة قتل الآباء والأمهات والإخوان.
السؤال إلى أين نحن سائرون؟
هنا علينا التوقف ومراجعة النفس ونقد الذات ووضع حدّ لجرائم العنف الناتجة عن انتشار الفكر المتطرف في مجتمعاتنا، لأننا يبدو أننا لم ننجح حتى الآن في القضاء على الإرهاب عسكريًا وأمنيًا.. علينا أن نعيد النظر في التقانة التي ولدت فكر التطرف والقتل.. ومعنى ذلك أنه توجد في مجتمعاتنا أرضية خصبة لاحتضان التطرف. السؤال من غرس هذه الأفكار في مجتمعاتنا الآمنة؟ ولماذا توجد بيئة حاضنة في مجتمعاتنا لمثل هذه الأفكار المتطرفة؟ ومن الذي يروّج لها ويمولها وينشرها بين شبابنا المغرر بهم؟ بماذا نفسر إقدام شبابنا على الذهاب للقتال في كل بلاد المعمورة؟
أتصور أن السبب الرئيسي هو وجود رجال دين في بلادنا يروجون لفكر التطرف وقتل الآخر المختلف، وعدم فهم الدين وأفكار التسامح الموجودة في القرآن الكريم.
أعجبتني مقابلة جريدة «الجريدة» الكويتية يوم الثلاثاء 28 يونيو (حزيران) 2016 مع الدكتور محيي الدين عفيفي، أمين البحوث الإسلامية في الأزهر، حين قال: «علينا أن نراجع أنفسنا في آليات التعامل مع النصوص في ضوء المتغيرات، وأن نضع تغيير الزمان والمكان في اعتبارنا، ليكون ركيزة عند النظر في النصوص الشرعية، ومن عظمة القرآن الكريم أنه لم يتعرض لتفصيلات، وبذلك ترك المساحة للعقل البشري أن يتأمل ويتفكر، والقرآن تحدث عن قضايا كلية ولم يتعرض لتفصيلات. كما أن الإسلام احترم العقل البشري ومنحه مساحة للتفكير والتدبر والتأمل.. بالتالي لا يمكن أن نقف بفهمنا للإسلام عند مرحلة زمنية معينة، ولا يعني ذلك القطيعة مع التراث أو مع موروثنا العلمي. ولا يضع اختزال الخطاب في أمور فرعية ومن ثم يكفر ويفسق الناس، ويبرعون في الأمور المختلف فيها، فلا أفكار في المختلف فيه».
أعترف أنني لست متخصصًا في الشريعة، لكن الأمر المؤكد بالنسبة لي كمتخصص في علم السياسة، أنه لا يمكن حل مشكلاتنا في حالة تسييس الدين أو زجه في السياسة.