مارك شامبيون
TT

كيري ودعوته للاستثمار في إيران

أثارت تصريحات جون كيري وزير الخارجية الأميركي الخاصة بتشجيع البنوك والشركات الأوروبية، على الاستثمار في إيران، استياء الكثيرين في واشنطن. وجاءت التصريحات غريبة بسبب تاريخ العداء بين الولايات المتحدة وإيران.
من جانبه، قال إليوت أبرامز، المسؤول السابق في إدارة جورج دبليو بوش: «ببساطة، ما من سبب يبرر انشغال أي مسؤول أميركي، ناهيك عن كونه دبلوماسيًا بارزًا، بحجم الاستثمار والربح الذي يمكن لإيران أن تحققه من وراء الاتفاق النووي».
ومع ذلك، فالسبب موجود، إذ إن زيادة حجم التجارة الخارجية والاستثمار في إيران كانت جزءًا من المفاوضات بشأن البرنامج النووي لإيران، التي دامت 12 عامًا، من البداية إلى النهاية، وإن عارض ذلك الحرس الجمهوري الثوري وغيره من الفصائل المتشددة في نظام طهران، بسبب خشيتهم من أن يتسبب ذلك في تقويض سيطرتهم.
تجدر الإشارة إلى أن ذلك لم يكن واضحًا في ذلك الوقت، فقد كان العرض على النحو التالي: أن يجمد الإيرانيون برنامج إنتاج الوقود النووي بشكل دائم، وفي مقابل ذلك تتاح لهم أحدث التكنولوجيا النووية للأغراض المدنية، جنبًا إلى جنب مع امتيازات تجارية واستثمارات إضافية من الاتحاد الأوروبي، الذي كان آنذاك أكبر شريك اقتصادي لإيران. وكان الدبلوماسيون الغربيون على ثقة من نجاح ذلك العرض.
ولكن كان ذلك عام 2004، عندما كان المرشد الأعلى علي خامنئي يشعر بعدم الأمان، وقد أعلنت الولايات المتحدة أن إيران جزء من «محور الشر»، ومن ثم غزت العراق، ووضعت أكثر من 150 ألف جندي على الحدود مع إيران.
أما الآن، فقد أصبح قطاع عريض من الكونغرس الأميركي ومجتمع السياسة الخارجية في واشنطن لا يرغبون في أن تتدفق الاستثمارات على إيران. وقد تبدو على خامنئي أمارات نفاد الصبر، لأن الاقتصاد لم يستفد كثيرًا من رفع العقوبات، في حين يزداد نفوذ روحاني السياسي بقدر كبير إثر فوزه بالانتخابات البرلمانية في فبراير (شباط). وعندما ألقى خامنئي خطابه السنوي بمناسبة العام الإيراني الجديد، في أواخر شهر مارس (آذار) الماضي، انتقد الولايات المتحدة لإبقائها العقوبات سارية المفعول، كما انتقد روحاني بسبب عمله مع الأميركيين «المتعجرفين».
وعلى الرغم من أن صناعة النفط الإيراني قد عادت إلى معدلات ما قبل العقوبات، لا تزال البنوك الأوروبية ترفض إلغاء التحويلات البنكية بسبب خوفها من أن وزارة الخزانة الأميركية قد تغرمها لانتهاكها العقوبات الأميركية، التي لا تزال سارية حتى بعد أن رفع الاتفاق النووي العقوبات الدولية. فعدم قدرة البنوك على إلغاء التحويلات البنكية الضخمة حتى الآن، جعل معظم اتفاقيات مشاريع الاستثمار الأجنبي تبدو صورية.
أما بالنسبة للإيرانيين من التيار المحافظ الصعب إرضاؤه، فهم الآن تملأهم الشماتة، مذكرين الإيرانيين بأنهم لطالما قالوا إن الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بالاستفادة من رفع العقوبات، ووصفوا الاتفاق النووي بأنه خدعة. وتتمحور آمالهم الآن حول كشف النقاب عن حقيقة الاتفاقية النووية، وبالتالي يفقد روحاني مصداقيته ويفشل في النجاح في انتخابات العام المقبل، تاركًا باب الرئاسة مفتوحًا لأحد منهم.
ولهذا السبب، فإن كيري يحاول أن يقنع مصارف أوروبا الكبرى بالمضي قدمًا والعمل في إيران، وهم قادرون على القيام بذلك وفقًا للاتفاق النووي، ولكن لم يقنع أي منهم حتى الآن. فقد فرضت الولايات المتحدة على كثير منهم غرامات كبيرة بسبب إلغاء التحويلات البنكية الإيرانية بالدولار في الماضي، فعندما كانت الولايات المتحدة تفرض عقوبات على إيران، لم تكن الحكومات الأوروبية تفرض عليها أي عقوبات. ولا أحد يعلم بماذا سيأمر الرئيس الجديد للولايات المتحدة وزارة الخزانة.
وبطبيعة الحال، أوجد ذلك وضعًا أشبه بما يُعرف بصراع الشرطي الشريف والشرطي غير الشريف على المسرح السياسي الإيراني، ولكن الصراع على السلطة حقيقي. وبالنسبة لكيري، فالحُجة التي يدافع بها عن دعوته للاستثمار في إيران، هي أن أشد أعداء أميركا في النظام يريدونه أن يفشل.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»