مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

الثلاث الولايف

اتصل بي أحدهم يدعوني للعشاء في بيته العامر، وبحكم أنني شكاك وغير حسن الطوية، وتوقعي دائمًا ينحو إلى ما هو أسوأ كاحتمال أن يكون هناك مقلب ما، أو هناك تبرع ما، أو هناك (مضاربة ما) يريدني أن أشاركه فيها.
ترددت كثيرًا أن أقبل دعوته، ولكن بعد إصراره، وطمأنني على أن كل ما في بالي هي مجرد هواجس.
عندها تنفست الصعداء تقريبًا، ووافقته على ذلك سائلاً إياه عن المناسبة والحاضرين، فقال لي: «إنها مناسبة حميمة لي، أي الاحتفال بعيد ميلادي، والحاضرون محدودون، ولكنهم خليط».
أعجبتني كلمة (خليط)، لهذا تحمست للمشاركة.
وفي تلك الليلة وقبل أن أذهب، ضربت نفسي بالشيطان الرجيم، أي أنني (تشيكت)، وركبت سيارتي، ودقيت سلف وانطلقت، وبدأت أغني بيني وبين نفسي: (وينك يا درب المحبة).
وفي النهاية قادني الدرب إلى بيت الداعي، الذي استقبلني بالأحضان، وأخذ بيدي ودلف بي إلى صالة العزومة أو الحفلة التي كانت مختلطة فعلاً.
لم أعرف من الحضور فيها غير ثلاثة رجال و(نصف امرأة).
جلست في ركن قصي قريبًا من أحد الأبواب والشبابيك، كعادتي الحذرة دائمًا عندما أكون في أي محفل، خوفًا من أي حريق أو مخانقة أو عمل إرهابي - لا سمح الله - عندها سوف يكون الباب والشباك هما بالنسبة لأي إنسان في موقفي، أحب وألزم عليه حتى من عياله.
وبدأت الحفلة بـ(هابي بيرث داي تويو)، وانتهت بـ(يا سارية خبريني)، عندها الله لا يوريكم، فقد اختلط الحابل بالنابل، وأخوكم من خوفه على نفسه لم يطب الحلبة ويخوض غمار المعمعة، ولكنه آثر السلامة، لهذا وقفت وشاركت من بعيد، وأخذت أدور حول نفسي متجاوبًا مع دق الطبول، وعندما وصل المغني إلى المقطع الذي يقول فيه: (وإن قلتها ماني خائف لجل الثلاث الولايف)، حتى توقفت من الدوران، وأخذت أتساءل عن ماهية هؤلاء (الثلاث الولايف) اللواتي أصبح لهن هذا الشأن من الخطورة، بحيث أن المطرب من أجلهن رمى بالخوف جانبًا؟!
المهم كنت أول الخارجين من تلك الحفلة، تمامًا مثلما كنت من آخر الحاضرين، وما زالت ترن في أذني وأنا أغادر: (واسلم سلم يا جماعة، يا أهل الكرم والشجاعة).
غير أن (الثلاث الولايف) هن اللواتي أقضضن مضجعي حتى الآن.
وأرجو من القارئ الكريم أن يردد سريعًا بينه وبين نفسه جملة (أقضضن مضجعي) عشر مرات متتاليات دون أن يغلط أو يتلعثم.
هل لاحظتم أن الكتابة أصبحت كما هي السياسة اليوم، مجرد (لعب عيال)؟!، ولكنه لعب لا يقتل.