ديانا مقلد
كاتبة واعلاميّة لبنانيّة
TT

مسلخ نظام البعث السوري

كثيرًا ما كنتُ أنفرُ من استخدام البعض لتعبير «مسلخ» لوصف حالة فظيعة من العنف والقتل أكان ضد البشر أم أي مخلوقات. إنها واحدة من التعبيرات التي يستحضر سماعها قشعريرة ما في الجسد، حتى ولو كان قولها في مجال الاستعارة والرمز لكنها تبقى مثيرة للتوتر، لهذا حرصتُ دائما على تحاشي استعمالها. لكن سكان كوكب «فيسبوك» لا يتيحون لنا فرصة الاستكانة إلى قرار ما، فيحدث أن يفاجئك أحد بصورة مروعة مع تعليق لا يقل قسوة. هذا ما حصل في الصور التي لم يتورع كثر عن عرضها عبر صفحاتهم الشخصية لضابط في الجيش السوري هو عصام زهر الدين، وهو يتباهى بصور ظهر فيها يسلخ أشخاصًا قال على سبيل تبرير فظاعة فعله، إنهم مسلحون وشاهدناهم معلقين كالذبائح. ظهر هذا المسؤول البارز في جيش بشار الأسد متباهيًا بالتمثيل بالجثث، ومعه طبعًا في الصور المروعة جمهرة من جنود «الجيش العربي السوري» ذاك الذي يعتبره ممانعو الأمة حصنهم الحصين ضد «داعش» و«الظلاميين».
ليس في وصف فعلة هذا المسؤول البعثي بأنه سلخ بشري أي مبالغة.
طبعًا لم يكن هناك مكان في إعلام النظام وحلفائه لتلك المقتلة التي تزامنت مع تسليط هذا الإعلام نفسه الضوء على مجزرة مروعة أخرى، ارتكبتها فصائل معارضة في قرية الزارة، حيث شاهدنا أيضًا صورًا لضحايا من النساء مقتولات فيما مسلحون يتباهون بفعلتهم في مجزرة طائفية، مما جعل إعلام النظام يستغل تلك المقتلة للتحشيد الطائفي.
ومعادلة المجزرة مقابل المجزرة لا تستقيم، ففعلة أي فصيل مسلح في قرية الزارة أو في غيرها لا تقل عن جريمة حرب فظيعة لا يمكن تبريرها تحت أي ظرف. في المقابل فإن تسليط الضوء على ما يرتكبه مسلحون معارضون، وتجاهل ما ترتكبه قوات الأسد ليس فيه فقط إجحاف ووقاحة، بل فيه تجاهل لجوهر المقتلة السورية وحث على استمرارها. ففي تباهي الضابط البعثي بفعلته كما ظهر بالصور جوهر معنى نظام البعث ونظام الأسد.
جاءتنا «داعش» بفنون الذبح، وأتى البعث ليتفوق عليها بالسلخ، ومن يغض الطرف عن الفظاعة التي اقترفها زهر الدين، هو عمليًا يشرع الباب أمام مجازر كثيرة مقابلة، كما حصل في قرية الزارة، وهذا لا يحصل للمرة الأولى، فالكابوس السوري لم يعد بوسع أي أحد تحمل مكابدته.
لم يواجه أحد في الثورات العربية نظامًا استبداديًا كالذي واجهه السوريون. سبق أن وصف الباحث السوري عزيز العظمة النظام السوري بأنه نظام «مملوكي»، أي أنه نظام يرى الأرض وما عليها من بشر ملكًا حصريًا لا يقبل النقاش، فيستسهل معاقبتهم بالموت والتجويع والحصار والتعذيب والآن بالسلخ.
وضروب الفظائع هذه لا تمت للعصر الحديث بأي صلة، بل هي تعيدنا إلى القرون الوسطى ولكن بالصوت والصورة. ومشهدية السلخ الأسدية تثبت مرة جديدة كم أن «داعش» وتفرعاتها ليسوا سوى تشظيات الروح الشيطانية لهذا النظام.
المحزن هو أن هناك من لا يزال يروج دعوات للتعايش مع هذا النظام. سبق أن حاول السوريون منذ اليوم الأول لثورتهم قبل قهرها أن يقولوا إن الرئيس الشاب الوادع والدمث ليس إصلاحيًا كما وصفته هيلاري كلينتون، وإن النظام البعثي ليس حاميًا للأقليات مثلما يشيع. هم أرادوا أن يثبتوا قسوة النظام وبوليسيته التي خبروها بجلدهم وبأرواحهم.
نظام البعث السوري هو مسلخ فعلي، ولسنا نفعل سوى التغاضي عن جرائمه.
[email protected]