ستيفن كارتر
TT

التاريخ يعيد نفسه في أميركا

مرحبًا بكم في عام 1816، فمنذ مائتي عام شهدت البلاد انتخابات مشابهة لما نشهده في الوقت الراهن إلى حد كبير، وليس بوسع أكاديمي مثلي أن يغفل ذلك التشابه والعِبر التي يمكن استخلاصها.
أولاً، دعنا نرَ نصف المشهد: تمكن الرئيس جيمس ماديسون من مغادرة منصبه دون أن يمنى بخسارة حرب 1812. وعلى الرغم من أن البريطانيين أحرقوا البيت الأبيض، أصر أنصاره على أن الحرب كانت نصرًا عظيمًا للولايات المتحدة. رشح الحزب الذي أسسه ماديسون (الحزب الجمهوري الديمقراطي) جيمس مونرو وزير خارجيته وأحد أفراد سلالة «فرجينيا» الحاكمة، التي ينتمي إليها أربعة رؤساء من بين أول خمسة رؤساء للولايات المتحدة. بينما رشح حزب المعارضة (الحزب الفيدرالي)، الذي كان ينهار آنذاك «روفس كينغ»، فيما اعتبر عالميًا بقضية خاسرة.
واللافت أن الحُجة الأساسية ضد انتخاب مونرو كانت تكمن في أن مرشحي ولاية فرجينيا قد سبق أن فازوا بالرئاسة كثيرًا، فمن بين أول تسعة انتخابات بالبلاد فاز ثمانية مرشحين من ولاية فرجينيا. وبعض المحللين قد سموا تلك الظاهرة «سلالة الوزراء»، لأنه بدا دائمًا أن الرئيس الجديد كان يشغل منصبًا وزاريًا في عهد الرئيس القديم. ثم بعد ذلك ارتفعت الأصوات الشجاعة ممهدة لوضع نهاية لتلك السلالة.
يذكر أن إحدى الكتيبات في ولاية كونيتيكت كانت تتسول الناخبين لاختيار مرشحين فيدراليين في الانتخابات، في تنازل صريح عن الانتخابات العامة لصالح ماكينة الحزب الجمهوري. ويكاد يكون مونرو، على حد قول أحد معارضيه: «لم يحصل على دعم صريح من أحد»، لكن ذلك لم يغير من الأمر شيئًا. ويقول سكين إن الفيدراليين لم يكن بينهم أي تنسيق، كما كانوا غير منظمين ولم يكونوا جيدين بشأن التخطيط لكسب تغطية إخبارية إيجابية. ولم تكن الانتخابات في حد ذاتها بالحدث الجلل، وفاز مونرو باكتساح، 183 مقابل 34.
وللتأكيد، فإن أوجه الشبه بين انتخابات عام 1816 وعام 2016 أبعد ما تكون عن الكمال. فمن ناحية، لم يفاجأ أحد بانهيار الحزب الفيدرالي، فقد أنهكته الصراعات الداخلية والهجمات من الخارج لمعارضته الحرب، وكان الحزب يتفكك بالفعل. ومن ناحية أخرى، لم يتمكنوا من الفوز في الكونغرس، وكان معقلهم الوحيد إقليميًا في ولاية نيو إنغلاند.
وفي انتخابات عام 1812، لم يكلف الفيدراليون أنفسهم عناء طرح مرشح، وبدلاً من ذلك دعموا مجموعة منشقة عن الحزب الجمهوري الديمقراطي. ومع ذلك، فقد أعطت الحرب، الحزب الميت، سببًا للتشبث بالحياة. ومع نهاية الصراع، كُتب في سيرة مونرو الذاتية عام 1921 عن «موت الحزب الفيدرالي»، وإن ظلت الأفكار على قيد الحياة، إذ لم يعد أحد «يسمع عن الحزب».
جدير بالذكر أن كينغ كان مرشحًا ضعيفًا، إن لم يكن هزليًا. وفوق ذلك، لم يكن متحذلقًا أو فظًا ولا مغرورًا، فهو لم يكن دونالد ترامب. صحيح أنه كان ثريًا، لكن ثراءه يرجع إلى زواجه من ماريا ألسوب، التي تنتمي لعائلة عريقة من نيويورك، وكان أيضًا غريب الأطوار بعض الشيء. وتقول إحدى الروايات إنه خلال الحرب الثورية سرق البريطانيون صندوقًا يحتوي على جواهر كان قد أهداه إلى زوجته ماريا، وكان الصندوق مفخخًا بـ«زوج من المسدسات» التي تنفجر إذا حاول شخص فتحه بالقوة.
وفي معظم القضايا الكبرى في زمنه، تبنى كينغ الجانب الصواب. فقد ناهض المقترحات التي من شأنها أن تقلص النفوذ العام في الانتخابات الرئاسية. ومع تقدمه في العمر، حارب توسع العبودية بحماسة متقدة، لكن التاريخ ما هو إلا ثقب واسع في الذاكرة، فقد ذهب كينغ سريعًا في طيات النسيان.
وكشاهد خارجي، لست في موضع يسمح لي بإسداء النصح للجمهوريين القلقين، لكن على الأقل ينبغي عليهم أن يتعظوا من درس الانتخابات التي تمت قبل قرنين من الزمان.
*بالاتفاق مع «بلومبيرغ»