مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

هل أنا صغير أم كبير؟!

سألني سؤالاً لم أتوقعه وقال: هل أنت ناضج؟! أجبته باستخفاف: طبعًا، و«مستوي» ومحروق كذلك، قال: إنك لم تفهم قصدي، فعندما سألتك: هل أنت ناضج؟ أعني هل أنت ترى في نفسك الكفاءة، أم أنك ناقص؟ قلت له: لا اطمئن فما زلت أدق (سلف).
قال: إنك ذكرتني بأحد الموسيقيين عندما بلغ الثمانين من عمره، وقال: إنني لا أشعر بأي حال أنني أكبر أو أصغر عما كنت من قبل.
قلت له وأنت ذكرتني كذلك بأحد الأطفال وعمره لا يتعدى السنة الثامنة عندما شاهدته وهو يحاول أن يعلم طفلة أصغر منه ركوب (البسكليت)، وكلما ركبت وسارت بها عدّة أمتار سقطت على الأرض، وبعد المحاولة الرابعة أو الخامسة انجرحت ركبتها من جراء السقوط، ولفت نظري إلى أنها لم تبكِ، ولكنها قالت لذلك الطفل الذي يعلمها: يبدو لي أنني غبية، وتوقفت عن المحاولة.
عندها تدخلت أنا وقلت لتلك الطفلة: أبدًا يا ابنتي أنت لست غبية، فأنا لم أتعلم ركوب البسكليت إلاّ بعد أن بلغت العاشرة من عمري، وبعد أن سقطت منها عشرات المرات، وانجرحت عدّة جروح، عندها ضحكت الطفلة وقالت: إذن أنت أغبى مني يا عمي، قلت لها: نعم إذن اثبتي لي أنك سوف تنجحين في محاولاتك.
وما هي إلاّ عدة محاولات أخرى، وإذ بالطفلة الشيطانة تنطلق بالبسكليت ضاحكة، والطفل الذي كان يعلمها يعدو خلفها ويعجز عن اللحاق بها.
قال: يبدو لي بعد أن سمعت كلامك هذا، أنك بدأت ترتفع في عيني قليلاً، ولكن أجبني: هل أنت سعيد، ومطمئن، ومتزوج، ومحبوب؟!
أجبته: تقريبًا، ولكن اسمح لي بأن أقول لك: إن أسئلتك فوق أنها غريبة فهي استفزازية، وإنني أتعجب من نفسي كيف أنها إلى الآن متحكمة بأعصابها؟!
قال: هذا جيد، أنت الآن فقط بدأت تتعلم، فالضربة القاسية التي لا تميتك إنما هي تقويك، وتشد من أزرك.
قلت له: إنك ذكرتني بإحدى السيدات المسترجلات - وهي بالمناسبة تشبهك من ناحية الملامح -، تلك السيدة عندما حاول طفلها أن (ينط) في المسبح، أمسكت بذراعه قائلة: لا، إنك صغير، وبعد عدة دقائق ضرب الطفل ابن عمه لأنه أخذ لعبته، فأنّبته أمه قائلة: عيب أن تفعل ذلك فأنت الكبير.
فما كان من الطفل إلا أن قال لأمه: أرجوكِ حددي موقفكِ، هل أنا صغير أم كبير؟!