نبيل عثمان الخويطر
كاتب ومحلل اقتصادي
TT

خطوة بسيطة تنسف حمام دم الحوادث المرورية

يحكى أن الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين صعق عندما أخبر خلال الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات بأن الطيارين العراقيين الذين يموتون في الحوادث المرورية أكثر من الذين يموتون في المعارك الجوية مع إيران، عندها قرر أن يتزعم بنفسه حملة توعية واسعة بأهمية ربط أحزمة الأمان عند قيادة السيارات، حتى إنه أمر بأن تركز كاميرات التلفزيون على ربطه حزام الأمان كلما ركب سيارته الرسمية ونزل منها، كل ذلك لكي يقنع المواطن العراقي بأهمية ربط حزام الأمان. كذلك من الأقوال المنسوبة لوزير المواصلات الأميركي السابق رودني سليتر: «إن العمل الوحيد الأكثر فعالية الذي يمكننا اتخاذه لإنقاذ الأرواح على طرق أميركا هو زيادة استخدام أحزمة الأمان واستخدام مقاعد سلامة الأطفال».
لاحظوا أن وزير المواصلات الأميركي السابق لم يتحدث عن إقناع المواطنين بتخفيف السرعة، لأنه على علم بأن الراكب غير المستخدم لحزام الأمان في سيارة سرعتها 80 كم / ساعة سيموت لو تعرضت لحادث، بينما الغالب أنه سيحيا إذا استخدم حزام الأمان، حتى إذا كانت سرعتها 120كم / ساعة. والسبب بديهي ولكن أكثر الناس لا يعلمون، أن التوقف المفاجئ بسبب حادث لسيارة تسير بسرعة 80كم / ساعة يساوي في أثرها على الركاب القفز من الطابق الثاني إلى الأرضي. ومن هذه المعلومة البديهية، نستنتج أن أسرع وأسهل طريقة لتقليل الوفيات والإعاقات الناتجة من الإصابات في الحوادث المرورية هي بإقناع أكبر عدد ممكن من المواطنين والمقيمين باستخدام أحزمة الأمان في كل رحلة خارج البيت طالت أو قصرت.
وحيث إن تقليل عدد الحوادث المرورية في المملكة هدف ذو أبعاد قانونية وهندسية وإدارية قد يصعب تنفيذه على المدى القريب، لذا فالتركيز الإعلامي التثقيفي على استخدام أحزمة الأمان قد لا يؤدي إلى تقليل عدد الحوادث، ولكنه سيؤدي بإذن الله إلى انخفاض كبير في عدد الوفيات والإعاقات الناتجة من تلك الحوادث. وبما أن المستفيد الأول ماليا في المملكة من هبوط عدد الوفيات التي بلغت نحو 8000 حالة، والإصابات التي تعدت 40000 حالة، في الحوادث المرورية في عام 2014، هي شركات التأمين، فإنه يجدر بها أن تكون الممول الرئيسي (كما هي الحال في جميع الدول المتقدمة) لبرامج إعلامية تثقيفية طويلة الأمد تشمل جميع أنحاء المملكة العربية السعودية بهدف إقناع المواطن والمقيم على ربط حزام الأمان كلما ركب السيارة.
وهذا بالطبع لن يكون صعبا ما دام هناك استعداد لتمويل دعايات عالية الجودة والتصميم في التلفزيون والراديو ووسائل التواصل الاجتماعي بصورة منتظمة طوال السنة. كذلك، ستتطلب هذه الحملة الدعائية أيضا مشاركة فعالة من قبل رموز المجتمع المدني مثل الرياضيين والكتاب وعلماء الدين، لكي يكون لها وقع مؤثر على الشباب بالذات، وهم شريحة المجتمع الأكثر تعرضا من غيرهم للحوادث المرورية.
وبما أن تكاليف الحوادث المرورية على اقتصاد المملكة تقدر بنحو 20 مليار ريال سنويا، إلى جانب إشغال ما يقرب من 30 في المائة من أسرة المستشفيات، فمن البديهي أيضا أن يكون هناك دور قيادي لوزارتي التجارة والصحة للعمل على إنشاء مجلس إدارة وطني للسلامة المرورية، يتكون أعضاؤه من رؤساء شركات التأمين في المملكة، ويمول ذاتيا بإضافة اشتراك سنوي بقيمة ريالين فقط لكل بوليصة تأمين تصدرها هذه الشركات، وذلك حسب عدد البوليصات التي تصدرها كل شركة تأمين.
وبما أن عدد المركبات بمختلف أنواعها في المملكة يفوق 20 مليون مركبة، فإن المبلغ الممكن توفيره لتنفيذ هذا البرنامج الإعلامي التثقيفي سيفوق 40 مليون ريال سنويا، وإذا قسم هذا المبلغ على عدد سكان المملكة، سنجد أنه أقل قليلا مما تصرفه سنويا شركات التأمين والجهات الحكومية في أميركا وبريطانيا على التثقيف الإعلامي بالسلامة المرورية لكل مواطن في هذه البلدان.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن عدة دراسات ميدانية أجريت في أستراليا وبريطانيا رجحت التركيز بالدرجة الأولى على إقناع المجتمع بضرورة ربط أحزمة الأمان قبل تقليل السرعة أو حتى الانشغال بأجهزة الهاتف عند قيادة السيارة، لأن ربط حزام الأمان لا يكلف السائق أو الراكب تأخيرا في سفره مثل تخفيف السرعة، ولا يفقده مكالمة تليفونية إذا امتنع عن استعمال الهاتف خلال قيادته للسيارة. لذلك حتى في غياب قوانين صارمة، فإنه بإمكان أي جهة ممولة للدعاية والإعلان إقناع نسبة كبيرة من المجتمع باستخدام أحزمة الأمان عند ركوب السيارة.
أما اتباع قوانين السرعة وغيرها من عادات السلامة المرورية، فقليلا ما تتأثر بالإعلانات والدعايات التثقيفية في ظل غياب القوانين والعقوبات الصارمة.
وبما أن نسبة استخدام أحزمة الأمان في المملكة تقدر حاليا بأقل من 5 في المائة، فإن حملة إعلامية تثقيفية في المملكة مشابهة للحملات التي نجحت في أميركا وبريطانيا وغيرها، سيكون لها هنا في المملكة الأثر الأكبر حتى من الحملات الإعلامية في هذه الدول، لأن رفع نسبة استخدام أحزمة الأمان من 5 في المائة إلى 50 في المائة أو أكثر سيقلل الوفيات لدينا في المملكة بنسبة لا تقل عن 50 في المائة خلال أقل من سنة.
لذلك، كل يوم يمضي بدون أن تقوم شركات التأمين السعودية بواجبها الوطني للمجتمع، والمالي لملاكها، بتثقيف المجتمع السعودي بالإعلانات التي تحث أفراده على استخدام أحزمة الأمان في جميع الأوقات، هو يوم يموت فيه أطفال ونساء ورجال أبرياء كان بإمكاننا إنقاذهم لو أننا ثقفناهم بأهمية استعمال أحزمة الأمان.