نبيل عثمان الخويطر
كاتب ومحلل اقتصادي
TT

دور الواقع الافتراضي في وفر الطاقة

على الرغم من أن معظم النقاش حول تهديد الطلب على البترول في قطاع النقل يدور حول احتمال استبدال السيارات الحارقة للبنزين أو الديزل بسيارات كهربائية، فإن التطور التكنولوجي في مجال إكمال المعاملات الرسمية وتطبيقات «الواقع الافتراضي» عن طريق الإنترنت قد يسبق انتشار السيارات الكهربائية في تخفيض الطلب على البترول.
بمعنى آخر، فإن إمكانية تأدية معظم الأعمال المكتبية الروتينية مع جهات حكومية أو خاصة من المنزل باستعمال الكومبيوتر أو حتى الهاتف الذكي يجعل من استعمال أي وسيلة نقل إلى المكاتب الرسمية، سواء كانت سيارة حارقة للبنزين أو كهربائية مسألة اختيارية وليست ضرورية، وهذه نقطة لا يبدو أن غالبية الاقتصاديين المهتمين بمستقبل الطلب على البترول يأخذونها في الاعتبار.
فمثلا من التطورات التي لا شك في أنها ستخفض الطلب على البترول في الغرب خلال السنوات القليلة القادمة هي بوادر تطبيق أنظمة مشابهة لنظام «أبشر» المطبق منذ عدة سنوات في المملكة لتخليص المعاملات الرسمية في الدوائر الحكومية عن طريق الإنترنت. وفي الوقت الحاضر بإمكان المواطن في أميركا والدول الأوروبية تخليص بعض الوثائق الرسمية عن طريق الإنترنت، مما يستوجب عليه الحضور بنفسه إلى بعض الدوائر الحكومية من أجل إنجاز البعض الآخر، ولكنها فقط مسألة وقت حتى يتم ربط جميع أنظمة الوثائق الرسمية في الدول الصناعية بالإنترنت وبعدها سيمنح المواطن في هذه الدول سهولة التعامل نفسها مع الدوائر الحكومية التي يتمتع بها المواطن السعودي منذ تطبيق نظام أبشر قبل عدة سنوات، فكما بإمكان المواطن السعودي اليوم تخليص 90 في المائة من معاملاته الحكومية المتعلقة بالهوية والمرور وغيرها عن طريق الكومبيوتر أو الجوال بدلا من التردد بسيارته على مكاتب حكومية في أنحاء مختلفة من مدينته، وسيتمكن الأوروبي والأميركي من تفادي استعمال سيارته ذهابا وإيابا من مكتب حكومي إلى آخر في المستقبل القريب. وهذا كما أشرنا سابقا سيخفض الطلب على البترول.
ولكن تهديد التطور التكنولوجي للطلب على البترول لن يقف عند هذا الحد، ففي تاريخ 28 مارس (آذار) 2016، أعلنت شركة أوكولوس ريفت، المصنعة لنظارات الواقع الافتراضي والتي استحوذت عليها شركة فيسبوك بملياري دولار قبل سنتين، بداية توصيل أول أجهزتها المصممة للاستعمال الخاص إلى الزبائن. وفي الوقت الحاضر التطبيق الرئيسي لنظارات الواقع الافتراضي هو ألعاب الفيديو، حيث إنها تستعمل أفلاما ثلاثية الأبعاد مصممة بحيث تجعل لابسها يحس أنه في وسط لعبة الفيديو وليس مشاهدا لها عن بعد، والذين جربوها يقولون إنها تخدع عقل الإنسان بطريقة لا تماثلها حتى الأفلام السينمائية الثلاثية الأبعاد.
وما علاقة ألعاب الفيديو ونظارات الواقع الافتراضي بالطلب على البترول؟
الجواب هو أن تكنولوجيا الواقع الافتراضي قد تقضي خلال بضعة سنوات على ضرورة تردد الموظفين اليومي على المكاتب الحكومية والخاصة في كثير من الدول، بمعنى آخر ستقوم كثير من الشركات والدوائر الحكومية بالسماح للموظفين بأداء وظائفهم المكتبية بما فيها الاجتماع مع زملائهم من منازلهم أو مكاتب صغيرة قريبة من منازلهم عن طريق استعمال نظارات الواقع الافتراضي ليتحدثوا ويتعاملوا مع بعضهم ومع العملاء من دون الحضور بأنفسهم إلى المكتب الرئيسي في وسط المدينة إلا مرة أو مرتين في الأسبوع، فكما سمح نظام أبشر للفرد بأن ينهي معاملاته المتعلقة بالأحوال المدنية والمرور باستعمال الجوال من منزله دون أن يصرف لترا واحدا من البنزين ليذهب إلى الدوائر الحكومية، ستسمح له نظارات الواقع الافتراضي بأن يؤدي عمله المكتبي ويحضر اجتماعات مع زملائه من منزله دون أن يصرف لترا واحدا من البنزين وساعات في زحمة السيارات ليصل إلى مكتبه في وسط المدينة.
وليعلم من يعتقد أن ما وصفته أعلاه خيالا بعيدا عن الواقع، أن كثيرا من الدوائر الحكومية في العاصمة الأميركية واشنطن تسمح منذ عدة سنوات لموظفيها بأن يغيبوا عن المكتب يوما واحدا في الأسبوع، وينجزون أعمالهم من منازلهم باستعمال الإيميل لتبادل الوثائق مع بقية زملائهم، فتصوروا عدد الأيام في الأسبوع التي سيسمح للموظفين في واشنطن وغيرها من مدن العالم المزدحمة بأن يعملوا من منازلهم إذا كان لديهم تكنولوجيا تمكنهم من التحدث مع زملائهم في العمل وكأنهم في المكتب نفسه، حتى ولو كان بينهم آلاف الكيلومترات.
ومن دون شك، فإن هذا التطور سيحدث انخفاضا كبيرا في استهلاك البنزين، وحتى الكهرباء، لأنه سيقلص استعمال جميع أنواع وسائل التنقل في العالم.