ريتشارد كوهين
صحفي أميركي
TT

زمن فقدان الخصوصية

قضيت الكثير من الوقت، قبل أسبوع مضى، في محادثة هاتفية مع امرأة من مانيلا. كانت تدعى كارولينا، وتعمل في شركة «مايكروسوفت»، وكانت تحاول بإصرار إقناعي بالتحديث إلى نسخة «ويندوز 10». ولقد حاولت ذلك بالفعل، ولكن لسبب لا أعلمه، النسخة الجديدة لم تعمل. فلقد تجمّد حاسوبي، ومن ثم طلبت من «مايكروسوفت» العودة مرة أخرى إلى نسخة «ويندوز 7»، وبعد ذلك بوقت قليل، حاولت شركة «مايكروسوفت» مرة أخرى في منتصف الليل، ترقية النسخة خاصتي مجددًا، ثم تجمّد حاسوبي أيضًا في عناد غريب. وهكذا انتهى الأمر بيني وبين كارولينا.
وأود الاعتقاد بأنها ساعدت مكتب التحقيقات الفيدرالية، على فك شفرة هاتف الـ«آيفون» الذي استخدمه أحد الإرهابيين الاثنين، المسؤولين عن حادثة إطلاق النار في سان برناردينو، بولاية كاليفورنيا.
تولت كارولينا أمر حاسوبي (وكان لديها إذن مني في ذلك)، وبدأ المؤشر يتلقى الأوامر من الفلبين. ثم تخطى محتويات الشاشة انتقالاً إلى هذا المجلد أو ذاك، وأمامي أشياء تنفتح وتنغلق من دون تدخل مني، وتبدت حياتي (الرقمية) واضحة أمام عينيّ، وكانت كارولينا تقفز من هنا إلى هناك داخل حاسوبي، وربما انتقلت من خلاله إلى درج جواربي الشخصية، وعملت على ترتيب الأشياء وفقًا لألوانها (لا بد أن هناك تطبيقًا لأجل ذلك)، وفي نهاية المطاف، أعلنت أن المشكلة انتهت، ثم عاد حاسوبي إلى سيطرتي الشخصية.
وقالت: «مايكروسوفت»، مؤكدة لي، أنها لن تحاول السيطرة على الحاسوب مرة أخرى، وتحاول «التحديث» إلى نسخة «ويندوز 10»، والتي، لبعض الأسباب التي لا أعرفها، كان حاسوبي حساسًا للانتقال إليها. وبعد أسبوع من ذلك، حاولت شركة «مايكروسوفت» مرة أخرى!
في أثناء ما كان كل ذلك يحدث، كانت هناك حرب قائمة بين المباحث الفيدرالية وشركة «آبل»، حول إذا كان، وكيف يمكن فتح هاتف الـ«آيفون» الخاص بسيد رضوان فاروق، والذي قد يحتوي على معلومات مهمة، ربما تتعلق بمؤامرة إرهابية قادمة. رفضت «آبل» طلب المباحث الفيدرالية، زاعمة أنها إذا تمكنت من فتح هذا الجهاز الوحيد، فسوف تتسرب طريقة تنفيذ ذلك، وسوف يتمكن كل طفل يبلغ من العمر 14 عامًا فقط من السطو على، وقرصنة، الهواتف الجوالة، بدلاً من تطوير مهارات الاغتيال المفيدة في مراحل لعبة من ألعاب الحاسوب التي يعشقها. وفي محاولة لإثبات أن ذلك ليس من قبيل المخاوف التافهة، أظهر طرف ثالث في المسألة للمباحث الفيدرالية كيفية تنفيذ ذلك بسهولة. ولقد كشف الهاتف عن أسراره الخفية، ومن ثم أسقطت وزارة العدل الأميركية القضية المرفوعة ضد شركة «آبل».
ولكن الأمر لم يحسم بعد. ففي الوقت الذي كانت تصارع فيه شركة «آبل»، الحكومة بين أروقة المحاكم، كان المدعون العامون من مختلف أرجاء هذه الأمة الكبيرة يقتطعون ويلصقون طلب المباحث الفيدرالية، وطالبوا بالحصول على مفاتيح الهواتف الجوالة التي حصل المكتب عليها، للاستعانة بها في تحقيقاتهم الخاصة. ويمكنك أن تدعي تقريبا أنهم فعلوا ذلك بالتعاون مع تيم كوك، المدير التنفيذي لشركة «آبل»، الذي دافع عن موقف شركته، إذ قال إنه إذا فتحت «آبل» هذا الباب للمباحث الفيدرالية، فكل مأمور للشرطة في مقاطعة نائية، سوف يستصدر أمرًا قضائيًا بتفتيش الهواتف الجوالة لكل مروّج من مروجي المخدرات التافهين في مقاطعته.
وكما يحدث في بعض الأحيان في الحياة، لكل طرف من الأطراف قضيته وحجته، ولكنني كنت متخذًا جانب المباحث الفيدرالية منذ البداية. لقد تعمد فاروق وزوجته، تاشفين مالك، قتل 14 مواطنًا وأصابا 22 آخرين، ولا يمكن السماح لمثل ذلك العبث بأرواح الناس أن يتكرر مرة أخرى.
ولكن في حين كنت ما أزال أتابع وأدرس هذه المسألة، أوضحت لي السيدة كارولينا الفلبينية بعض الأمور. فلقد كانت تحفر في أعماق حاسوبي الشخصي بمنتهى الحرية، وكانت تفعل أشياء أنا لا أعلمها، وفي حين أنها قد حصلت على إذن مسبق مني في ذلك، فلقد كانت، وبكل بساطة، تمثل كل الناس والشركات، ويعلم ربي من سواهم، والذين أتشكك كثيرًا في أنهم يتلاعبون بحاسوبي الشخصي دون علم مني.
هيأت نفسي للهجوم المضاد، رغم التأكيد من كبرى الشركات مثل شركة «غوغل» و«أمازون» وغيرهما، على أن هذا الأمر لا يحدث. ربما لا يحدث حقًا، ولكن البعض أخبرني أن موقعي خاضع للمتابعة، وأن عاداتي الشرائية مسجلة، وأن هناك «كوكيز» مزروعة في مكان ما بحاسوبي تلقف كل ما يعترض طريقها من معلومة عني. ولقد تعرض بعض من معارفي لسرقة بريدهم الإلكتروني من قِبل بعض قراصنة الحواسيب في كوريا الشمالية، أو من بعض المتسللين الآخرين، الذين ينتهي بهم الأمر على شبكة الإنترنت لأغراض خبيثة أو غريبة، لمجرد الفضول أو الاطلاع على الخصوصيات. فما هي الخصوصية التي يتحدث تيم كوك عنها بأي حال؟
أنا لا أشكك في مصداقية الرجل، ولسوف أسلم بأن بعضًا من شكوكي يرجع إلى جهلي البطولي بمعارف الحوسبة (فخبراتي في ذلك سحابية دون شك!)، ولكنني رغم ذلك تخليت منذ فترة طويلة عن توقعاتي بشأن الخصوصية. وفي حين أنني أخشى التدخلات الحكومية، أكثر من مثيلاتها لدى الشركات الخاصة، فإن الحكومة، بعد كل شيء، تملك الأسلحة والسجون، ويمكن للمدعي العام بالولايات المتحدة أن يدمر حياتك بمذكرة تفتيش تافهة، ولكنني مع ذلك أشعر أن الجهات غير الحكومية (أفضل هذا المصطلح فهو يذكرني بالرائع دوما جورج كلوني) تتابعني كظلي في كل الأوقات، وتلاحقني، وتطاردني، وتراقبني: «مرحبا ريتشارد، لدينا ذلك القميص الذي كنت تبحث عنه تحديدًا»!
أتتحدثون عن فقدان الخصوصية؟ أعتقد أن ذلك الأمر قد ولّى. وبعد كل شيء، لم يكن الأمر بسبب المباحث الفيدرالية، وهو بالتأكيد ليس بسبب شركة «آبل»، فهي ليست من قام بفك شفرة هاتف الـ«آيفون»، لقد كانت شركة خاصة أخرى، ربما، كما لا أود أن أقول: كانت اللطيفة كارولينا!
* خدمة «واشنطن بوست»