TT

حول الأزمة السورية الراهنة

الأحوال الأمنية والعسكرية في سوريا أوصلت البلاد إلى حافة ذروة الانهيار الشامل. والنتائج المتوقعة توحي بفشل كل من النظام السوري، والمعارضة المسلحة، في تحقيق الانتصار لأي منهما على الآخر، لأن الحرب التي يخوضانها هي حرب شبه عصابات، إذ إن الفصائل التي تسللت إلى داخل سوريا عبر تركيا للحرب مع المعارضة العسكرية هي فصائل مدربة على ذلك النوع من الحرب، والجيش الحكومي السوري يخوض حربا ضدها لم يتدرب عليها من قبل.
ولذلك فقد بات وشيكا توقع ما يمكن حدوثه، في داخل سوريا وفي بعض دول الجوار، من جراء النتائج المأساوية التي سوف تشكل خطورة على العالم بأسره. فلربما ينتج عن تفاقم القتال تمزق البلاد، وحدوث فوضى، تستخدم فيها كل طائفة أو عنصرية عقائدية أو سياسية السلاح داخل الرقعة التي تسيطر عليها في البلاد، لكي تحمي نفسها من نفوذ سيطرة المجموعات المتصارعة الأخرى، لأن الوضع أصبح يغري كل مجموعة أو طائفة مسلحة على التفكير في أخذ حصتها من غنيمة الصراع الذي خاضته.
وربما ينتج عن تمزق البلاد أيضا أن تنحاز كل دول في المنطقة، خاصة تركيا وإيران، بالتدخل العسكري لصالح المجموعة التي تنتمي إليها، سياسيا أو عقائديا. كما سيؤدي ذلك الوضع الكارثي المأزوم إلى تسارع تدهور الأحوال والعلاقات السياسية والأمنية والدبلوماسية في الشرق الأوسط. ولا يستبعد حدوث مناوشات عسكرية وقطع العلاقات الدبلوماسية المتوترة أصلا، وبالتالي سوف يزيد الوضع تعقيدا في المنطقة كلها. وقد يستدعي هذا الوضع المتأزم قيام ارتباطات أمنية، وتحالفات عسكرية، تقوم بها دول في المنطقة مع قوى أخرى، لحماية نفسها، وقد ينتج عن ذلك ازدياد التحرشات والتراشقات العسكرية من قبل إيران تجاه دول المنطقة، قد تتبعها مواجهات عسكرية ساخنة تتطور إلى حرب عالمية، تجد فيها كل من إيران وإسرائيل فرصة المواجهة مواتية وملحة بينهما، للاستباق بتوجيه ضربة عسكرية قاضية، وربما باستخدام الأسلحة النووية التي تمتلكها، إذ إن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية لا تمانع في استخدامها بشراهة في تدمير إيران، إذا لم تبادر إيران بتدمير قواعد تلك الأسلحة بصواريخها البعيدة المدى.
وهكذا يصبح من أهم دوافع الحرب الكونية الثالثة تنفيذ الخطة المعدة للقضاء على النظام السوري، جنبا إلى جنب تنفيذ الخطة المعدة أيضا، لتمكين الهيمنة الاقتصادية، والسياسية، بإبرام اتفاقيات بعيدة المدى لإقامة قواعد عسكرية أجنبية، بغرض حماية دول المنطقة، في مقابل حماية مصالح الأطراف الخارجية أيضا. وقد بدأ هذا السيناريو عمليا بنشر صواريخ «باتريوت» في جنوب تركيا، اللاعب الأساسي في خطة تدمير نظام بشار الأسد في سوريا. وهكذا فإن التغيير المرتقب في سوريا إذا لم يتداركه العالم كله بمسؤولية وجدية وحزم، فسوف ينتج عنه قيام فوضى شاملة في البلاد، يصبح بموجبها الوضع المتردي في سوريا أسوأ بكثير من أوضاع الدول الفاشلة في العالم، وهذا ما يتمناه الكثيرون، من محاور مختلفة. فقد يحدث هذا السيناريو إذا لم يتمخض عن الأزمة السورية المعقدة نشوب حرب عالمية ثالثة.
لكن، وبعد كل هذه النظرة التشاؤمية القاتمة الواقعية، فإنه يمكن تقديم حل سياسي فاعل ومجدٍ، يعتمد في قيامه وتفعيله على مدى مصداقية تعاطي مجلس الأمن، والدول الكبرى في حماية السلام العالمي، ومعالجة بؤر الفتنة في العالم بالطرق السلمية، لتفادي كارثة لا تبقي ولا تذر.
وهكذا تبقى المسؤولية الأخلاقية، والجدية الحازمة، هما المرتكزين الأساسيين لإيقاف الحرب، ولتفعيل الحل السلمي الديمقراطي العادل للمشكلة السورية.