سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

«سيدة المنحنى»

ليس من بلد في العالم لا يحمل توقيع زها حديد: الصين، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، أميركا، اليابان، لبنان.. إلخ. غيرت العراقية ذات الملامح الدرامية في شكل الهندسة المعمارية وجمالياتها وتاريخها. لم يأت التغيير من بلاد الهندسة في إيطاليا أو فرنسا، بل حملته طالبة فائقة الموهبة من العراق إلى بريطانيا، ومن بريطانيا إلى أنحاء العالم.
كانت زها حديد عبقرية نسائية عربية فريدة. أبدًا، لم يكن نجاحها العالمي في المال أو السياسة أو الغناء أو الأدب، بل في العلوم وعبقرية المعمار. وتقدمت الرجال في فن صعب ظل طوال قرون حقل الرجال. ودخل توقيعها مرتبة المتاحف وهي بعد في الحياة وفي مقتبل العمر، وسُمّيت «سيدة المنحنى» الهندسي.
ومن حظ العالم والعبقريات أنها خرجت مبكرًا من موطنها المعذب وإلا لكان مفوض الحزب ينظر إلى الآن في أمر إعطائها رخصة عمل. زها حديد نموذج المرأة العربية وطاقاتها في إطارها العلمي والمهني. وسوف تدخل تاريخ الفنون والهندسة والتصميم كمدرسة في الحداثة والمخيلة. وقد رثتها كبرى صحف العالم ومحطاته، بلا نهاية، وكأنها فقيدة جميع البلدان الواقعة في دائرة العبقريات المغيِّرة في دنيا الفنون والعلوم. فالعلم والفن والعبقرية لا يعرفون الحدود ولا التذكير ولا التأنيث. وفيما كنا نحن نتساءل من هي زها حديد وماذا تفعل حقًا، منحتها الملكة إليزابيث لقب الفرسان، الذين يشرفون منجزات بريطانيا.
لعل زها حديد تضرب مثال الاقتداء. وهو أن مكاننا في العالم هو أننا مهاجرون مبدعون، لا لاجئون مرتعدون من ذكر الوطن. وأن الوطن الحقيقي هو وطن الفرص والعدالة والوطن الذي نبحث عنه، وليس الذي نفر منه إلى أي مكان يرمينا فيه البحر.
في الوقت الذي يرثي فيه العالم زها حديد ويودعها كما يودع عباقرته وكباره، يغمرنا الشعور بالرثاء لأوطاننا وأرضنا وديارنا. وفيما تدخل هذه المرأة العربية السكينة الدائمة، يستمر عالم الرجال العرب في التمزق والتشلّي حول الكراسي والمقاعد وحشواتها.