جوش روغين
صحفي أميركي
TT

تحذير بلجيكا من الهجمات لم يكن كافيًا

قبل أيام قليلة في بروكسل، حيث كان الزعماء الغربيون يحتفلون باعتقال المشتبه به الرئيسي في هجمات باريس، حذر المسؤولون البلجيكيون من وجود عشرات المتطرفين في مختلف أرجاء المدينة وأنه يجري التخطيط لشن المزيد من الهجمات. ولم يكونوا يستطيعون التأكد من صحة تحذيراتهم.
سافرت إلى بروكسل يوم 16 مارس (آذار) لحضور منتدى صندوق «جيرمان مارشال»، وهو اجتماع يضم مختلف المسؤولين من الولايات المتحدة وأوروبا، وخبراء السياسة الخارجية، والصحافيين، حيث كانت مكافحة الإرهاب على رأس جدول أعمال المنتدى. وكان اثنان من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي وعدد من المسؤولين في إدارة الرئيس أوباما قد مروا لتوهم من خلال المبنى الرئيسي لمطار بروكسل. وفي صبيحة يوم الثلاثاء، تعرض المطار لهجمة إرهابية وصفتها السلطات البلجيكية بأنها هجوم انتحاري. وأسفرت عن مقتل 26 شخصًا إلى جانب كثير من المصابين داخل المطار، وكذلك في هجوم مواز استهدف نظام مترو الأنفاق في العاصمة.
عندما اجتزت بوابة المبنى الرئيسي للمطار قبل أقل من 24 ساعة من الهجمات، كان الوجود الأمني المتزايد ملحوظًا بوضوح. ولكن على غرار أغلب المطارات الغربية، لم يكن هناك تفتيش للركاب الذين يعبرون إلى داخل المبنى الرئيسي للمطار. كان حجم التوترات كبيرًا.
تحدث ديدييه ريندرز وزير الخارجية البلجيكي إلى المنتدى صباح الأحد مفسرًا الجهود الناجحة التي أدت إلى إلقاء القبض على صلاح عبد السلام، الذي يعتقد أنه أحد المتآمرين الرئيسيين لهجمات باريس التي وقعت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وكان صلاح عبد السلام قال للسلطات البلجيكية أثناء احتجازه إنه «كان على استعداد للبدء من جديد في بروكسل»، وفقًا لتصريحات الوزير ريندرز. ولقد خلص جهاز الاستخبارات البلجيكية إلى أن صلاح عبد السلام تمكن من إنشاء شبكة جديدة من الدعم في بروكسل خلال الأشهر الأربعة منذ هجمات باريس السابقة، وامتدت تلك الشبكة لتشمل شبكات إجرامية، تلك التي تتبادل الشقق والاتصالات مع الإرهابيين لشراء وتأمين الأسلحة.
وأضاف الوزير ريندرز: «هناك الكثير من الشبكات، ولا يقتصر الأمر على أفراد العائلة فقط»، مضيفا أن «هناك أكثر من 30 شخصًا ضالعين في الهجمات الإرهابية على باريس، وإننا واثقون من وجود آخرين».
ومشكلة المقاتلين الأجانب الذين يغادرون أوروبا إلى سوريا ثم يعودون إلى أوروبا لتنفيذ الهجمات على المدنيين ليست جديدة، ففي مايو (أيار) عام 2014، عاد مواطن فرنسي من سوريا إلى أوروبا، حيث قام بالهجوم على المتحف اليهودي في بروكسل. وتعتبر المعلومات الاستخبارية المتبادلة ما بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ومختلف دول المنطقة - ولا سيما تركيا – ذات أهمية قصوى في مكافحة تلك التهديدات، كما أشار الوزير ريندرز.
من جانبه، قال الجنرال غراتين مير، نائب وزير الدفاع الفرنسي، إن التهديدات التي تواجهها أوروبا من قبل الإرهابيين تتصل بتنظيم داعش الإرهابي، تمامًا مثل صلاح عبد السلام الذي بات أكثر خطورة مما كان عليه في الماضي.
وأضاف الجنرال مير: «إنهم يمتلكون فعليًا قدرات مالية وعسكرية غير مسبوقة». ومن دون إيقاف تنظيم داعش عسكريًا وتجفيف منابع التمويل لديهم، فليس هناك من سبيل لمكافحة تهديداتهم الموجهة نحو أوروبا.
وشدد المسؤولون الإقليميون في المؤتمر على أن الاحتياطات الأمنية وحدها لن تكون ذات فعالية كبيرة في مكافحة التهديدات الإرهابية المحتملة. ودعوا الغرب إلى بذل المزيد من الجهود للتعامل مع الأسباب الجذرية للاضطرابات، بما في ذلك نقص الفرص الاقتصادية والخطاب الديني المتطرف في مختلف الدول الإسلامية.
يقول يوسف العمراني، رئيس بعثة الديوان الملكي المغربي: «إننا جميعًا مستهدفون اليوم. ونشعر جميعًا اليوم بأمس الحاجة إلى الاتفاق على مقاربة مشتركة نحو مكافحة التطرف والإرهاب».
أما السيناتور الأميركي جيف سيشنز، الذي تحدث في المجلس مع مختلف المسؤولين الأوروبيين داخل المنتدى، فقد أشار إلى حملة الاعتقالات التي جرت في بروكسل الأسبوع الماضي من زاوية أنها تعد تغييرًا مهمًا في الخطاب السائد حول الحرب الدولية ضد تنظيم داعش، حيث قال: «من الأهمية بمكان أن تنال يد القانون الطولى من المجرمين ويُنظر إليها نظرة تقدير واحترام، كما أعتقد أن ذلك يعتبر من قبيل الصدمات الموجعة لرسالة (داعش) المعلنة بأنهم هم الفائزون».
أما الآن فلقد استحوذ الإرهابيون على ذلك الخطاب مجددًا. فمع تقدم التحقيقات في هجمات بروكسل، فإن الأسئلة الرئيسية التي ستطرحها السلطات تتضمن ما إذا كانت عمليات مكافحة الإرهاب البلجيكية في حي مولينبيك قبل أيام قليلة حركت الخلايا النائمة المتبقية ودفعت بها إلى النشاط المفاجئ، ولكن من خلال عمليات مخطط لها جيدًا. ومن شأن جهاز الأمن البلجيكي أن يضاعف من حملته الأمنية على المشتبه فيهم الخاضعين للمراقبة حاليًا.
أما بالنسبة للمسؤولين الأميركيين والخبراء الذين سافروا عبر مطار بروكسل في نهاية الأسبوع الماضي، فكانت تلك الهجمات بمثابة النداء الأخير. وسنرى ما إن كان ذلك سيؤدي إلى تغيير في طريقة التفكير الأميركية حول كيفية محاربة «داعش».. علينا الانتظار حتى نعرف ما سوف تتمخض عنه الأحداث.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»