علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

أسباب الغضب

لم يعد يمر يوم من دون عدة أخبار عن مؤامرات وأحداث إرهابية معظمها مرتبطة بمنطقة الشرق الأوسط أو دول إسلامية أو بأشخاص تعود أصولهم إلى هذه المنطقة.
أصبح الإرهاب ظاهرة مستوطنة أكثر الضحايا أو المتضررين منها شعوب ودول المنطقة، فلنأخذ مثلاً اليومين الماضيين، حيث حدث هجوم إرهابي على جنود شرطة مصريين في العريش، وتفجير انتحاري في سوق في إسطنبول أدى إلى توقف مباراة كرة قدم كبرى خوفًا من تهديد إرهابي، ومعركة مسلحة في بروكسل تنتهي بإلقاء القبض على متهم رئيسي في هجمات باريس الدموية التي جرت قبل شهور وكانت تلاحقه الشرطة الأوروبية.
«داعش» المستوطن في العراق وسوريا أصبح العلامة التجارية للإرهاب اليوم بعد أفول نجم «القاعدة»، وهو يبدو أنه انتقام صدام حسين، حيث ترجع تقارير كثيرة أصوله إلى بقايا الاستخبارات العراقية، وأكثر ما يخشى منه أن تتكرر التجربة في ليبيا التي أطلق عليها الرئيس الأميركي أوباما في حديثه المثير للجدل حول الشرق الأوسط بأنها مستنقع، منتقدًا صديقيه كاميرون وهولاند.
الإرهاب أصبح غير مفهومة دوافعه، والغضب أسبابه غير واضحة، فما هي مشكلة «داعش» مع تركيا؟ وفي مصر كان هناك حرج دائمًا في استهداف الجيش، وليس واضحًا ما هو الهدف السياسي للتنظيم الذي يعمل في سيناء إلا إذا كان الانضمام إلى إسرائيل؟ وفي أوروبا ليس واضحًا أسباب غضب هذا الجيل المولود على أرض أوروبية، ونشأ فيها، هل هو الوضع الاجتماعي في المجتمع الذي جعل المطلوب عبد السلام يتحول من عالم الجريمة إلى الإرهاب؟ ولماذا لم يتحول كل الخارجين على القانون إلى إرهابيين إذا كان الأمر هكذا؟
نحتاج إلى بحث الأسباب الكامنة وراء هذا الغضب المكتوم الذي يحول شبانًا وشابات إلى قنابل بشرية تفجر نفسها في الطرقات والمقاهي أو تحمل رشاشات وقنابل يقتلون بها مدنيين عزلاً يستمتعون بوقتهم في مقهى أو ناد رياضي.
ما الذي خلق هذه الحالة من الغضب التي أخذت شكلاً جنونيًا غير مبرر رغم أن العالم مليء بما يثير الحنق والغضب؟ لكن لا أحد يكون رد فعله بهذا الشكل إلا الذين يلتحقون بهذه التنظيمات وجعلوا المنطقة ساحة للإرهاب.
لقد صدم كثيرون بنظرة أوباما للمنطقة ورؤيته لمسألة الإرهاب وعلاقة المنطقة به، لكن يبدو أن هذا الاتجاه سيمتد، وإلا ماذا سنفعل مع ترامب إذا فاز برئاسة أميركا، ووجهة نظره علنية ولا يخفيها تجاه المسلمين، وحتى لو لم يفز واقتصر دوره على أنه مرشح الجمهوريين، فإنه سيثير كثيرًا من الزوابع.
ظاهرة الإرهاب ليست جديدة على العالم، فهي قديمة وموجودة في في مناطق كثيرة وتبدو كرد يائس من بعض الجماعات أو الأطراف في مجتمعات متقدمة أو نامية على ما تعتبره إجحافًا سياسيًا بحقها، وحتى أميركا نفسها القوة العظمى، فيها جماعات محلية قامت بأعمال مروعة مثلما حدث في أوكلاهوما، والحرب العالمية الأولى التي حصدت عشرات الملايين من البشر كانت شرارتها عملية اغتيال إرهابية، لكن الجديد هو أن يحاول تنظيم إرهابي اختطاف دين لتبرير أعمال ارهابية وهو ما يجب إدانته ومحاربته بقوة وعدم السماح بأي قدر من التبرير لأفعالهم تحت الغطاء الديني.
هذه الموجة الجديدة من الإرهاب أخذت حوالي ثلاثة عقود حتى الآن منذ ظهرت جماعات تكفيرية مثل «الجهاد» و«القاعدة» والآن «داعش»، ولا نعرف ماذا يحمل المستقبل، لكن من الواضح أن المواجهة الفكرية يجب أن تتخذ مسارًا آخر غير ما اتبع سابقًا ولم يؤتِ ثماره بشكل جيد.