أخرج الدوري السعودي للمحترفين، لسانه للجميع، بعد أن ضرب بكل التوقعات عرض الحائط، وامتد في طريقه إلى الجولة العشرين، دون أن يلتفت إلى تخرّصات المحللين، أو يبالي بآراء المراقبين، أو انتشاء واكتئاب الجماهير، فقد انحاز إلى منطقه، من يجمع النقاط أكثر سيتقدم بقدر ما يفقد منها منافسوه. وهذا ما حدث، فقد الاتحاد والهلال النقاط بالتعادل، فتصدر الأهلي بالفوز، وسيكون اللقب وفيا لمن يفعل ذلك حتى جولته الأخيرة.
الدوري «فلسفة تنافس» لا تنتهي بحكم طارئ على لاعب، أو مدرب، أو فريق، ومن ذلك سارت جولات الدوري الـ19 بثبات، تستدعي كل الأفكار حتى الغبية منها التي تقطع بفشل مدرب لأنه فرط في انتصار مفترض، أو لاعب تراجع مستواه، أو ارتكب خطأ قاتلا، أو حتى استخلاص متذاك لصورة فنية جيدة باعتبارها ثابتة لا يمكن أن تتحول، ليسخر منها في كل مرة المدعو «الدوري» ويفرض طبيعته التي وببساطة هي عبارة عن عدد من الفرق تلعب مواجهات متبادلة، يعطي اللقب لمن ينهي جولاته بفرق النقاط، أو الأهداف، أو أفضلية المواجهات.
حين تنتهي مباريات الجولة الأخيرة، أو حتى قبلها ببضع جولات، ستغيب كل صور الغضب الحانق، والفرح العارم، لكن لا بد أن نتذكر ببعض الخجل أطروحاتنا الفنية وتوقعاتنا الخائبة للنتائج، وأحكاما على نجاح وفشل لاعبين، ومدربين، حاولنا فرضها على بعضنا البعض، لا لأن ليس لنا أو لهم حق في أن نقول رأينا، ولكن لأننا وهم جعلنا من جولات الدوري مساحة حرة لإصدار أحكام قطعية نملك حق تغييرها متى شئنا!.
لماذا تم استبعاد الاتحاد من المنافسة على اللقب؟ وكيف تم التسليم بأن بطولة الدوري انحصرت بين الأهلي والهلال فقط؟ وهل ما قدمه التعاون إيجابيا أو النصر سلبيا كان في حساباتنا؟ وكيف انكفأ فريق هجر مبكرا، وضمن الخليج والفيصلي مكانهما دون حرج؟ ومن أين استمد فريق نجران قوته واسترد الشباب عافيته؟ وهل انتهت مغامرة الفتح حامل اللقب قبل موسمين؟ وإلى أين يتجه فريقا القادسية والوحدة، وهل هناك حل سحري لينجو الرائد من ورطته؟.
وسط الضجيج لا نسمع ذكرا لتركيبة الدوري التي تغيرت هذا الموسم عن غيره من مواسم خلت، لا أحد يذكر لنا أن جل اللاعبين المشاركين في الفرق الـ14 هم خليط من مصدر واحد، لديهم القيمة الفنية المتقاربة، والذهنية الفنية المتشابهة، وأنهم جميعا باتوا يلقون نفس التحضير والإعداد البدني اللياقي، والذهني الفني، والتمويل المالي، لم تعد فرق الدوري كما كانت فبل عقد مضى، حين كانت الأسماء المميزة من اللاعبين، أو المدربين، أو الكفاءات الإدارية، أو الداعمين، محصورة في ثلاثة إلى خمسة فرق.
استعرضوا سير هؤلاء اللاعبين، تذكروا أن مدرب المنتخب السعودي السابق البرازيلي انجوس يدرب نجران، وقبله كان التونسي فتحي الجبال الذي سبق له أن حصل على اللقب، وأن مواطنيه القادري والبياوي مستقران في الخليج والفتح، وأن نجم مدربي الدوري السيد غوميز (برتغالي) يدرب التعاون، وهكذا من يديرون هذه الأندية بعقلية إدارية ناجحة، كما هم المدلج والقاسم والباشا والراشد، وأن الحظ متى ابتسم للوحدة والقادسية وبقيا سيكون الموسم المقبل أصعب مع صعود الاتفاق، هذه الفرق لا تحقق اللقب لكنها تتحكم في اتجاهاته.
من المضحك مسايرة فكرة أن هناك فرقا صغيرة ومتوسطة تحرج الأهلي والهلال والاتحاد والنصر،، ومن الخطأ تمريرها دون القول إن الأندية التي يمكن لها أن تحصل على الدوري لا تكسبه دون دفع ثمن غال، ففي مثل هذه المواجهات، ببساطة هذه الفرق تستعد باللعب ضد نقاط القوة العناصرية والمعنوية لتحويلها خططيا إلى ضعيفة أو أقل قدرة، هي لا تستدعي أي شيء خارج عوامل التنافس، الأمر يحتاج إلى أن تتنازل الفرق التي يقال عنها أنها كبيره عن الاعتقاد أن على هذا الخصم أن يرفع الراية البيضاء، بل يجبره على ذلك بتفويت فرصة اصطياده إذا كان فعلا يستطيع؟!.. الجميل في الأمر أننا أصبحنا نشعر أن هناك «دوريا»، إن لم يكن في قيمته الفنية، على الأقل التنافسية كانت واضحة، وهذا أهم.
8:37 دقيقه
TT
وقال الدوري كلمته التي أحرجتنا
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة