سعد المهدي
TT

حول انتخابات الفيفا

أكثر من عشر ساعات بقي العالم مشدودا إلى شاشات التلفزيون، التي كانت تنقل من قاعة مجمع (هالنستاديون) بمدينة زيوريخ حيث اجتماع الجمعية العمومية للاتحاد الدولي لكرة القدم، من أجل اختيار رئيس جديد من بين المرشحين الخمسة، بدلا عن الرئيس الموقوف تأديبيا (السويسري) جوزيف سيب بلاتر، ورغم أن مركب (الفيفا) كانت تتقاذفها أمواج العاصفة منذ أشهر عدة، فإن سير أعمال الجمعية لم تشبه شائبة، وانتهت بولادة رئيس جديد، أيضا سويسري هو جاني اينفانتينو.
البحريني الشيخ سلمان آل خليفة، والأردني الأمير علي بن الحسين، كانا من بين الخمسة المتسابقين على الكرسي، قبل أن يصبح عددهم أربعة بانسحاب المرشح الخامس الأفريقي الجنوبي طوكيو سيكويل، وعلى أنهما ذهبا إلى الجولة الثانية بعدد 85 صوتا للبحريني، و27 للأردني، وبفارق بسيط عن السويسري الذي حصل على 88 صوتا، ولم يحصل الفرنسي سوى على 7 أصوات، إلا أن نتائج الجولة الثانية كانت عربيا أقرب إلى الصدمة، بعد أن ذهب 27 صوتا من 34 إلى السويسري، و3 بمجموع 88 إلى البحريني، و4 إلى الأردني أي بفقد 23 صوتا، ولا شيء للفرنسي الذي طارت أصواته السبعة، لتنتهي بـ115 للسويسري جاني اينفانتينو الذي أصبح الرئيس بين فضيحة وضحاها!
سيناريوهات عدة حاول البعض من المتابعين والمهتمين والمراقبين، افتراض أنها حصلت، ومن بينها أن أصوات ابن الحسين الـ27 وهي لعرب وآسيويين وأفارقة وكونكاكاف، قد ذهبت في مجملها للسويسري لا للبحريني، وفرضية أخرى لمحت إلى أن أيادي عربية لعبت خلف الستار وخططت للجولة الثانية على هذا النحو الذي انتهت إليه، و(لوم عروبي) تحت لافتة، (لماذا لا تتفق) كل هذه الافتراضات عبرت بشكل أو بآخر أولا: عن رفض للديمقراطية التي رضيت الأطراف بالاحتكام إليها وضماناتها الصندوق ثانيا: عن أن حالة إنكار العقل العربي مستمرة لواقع الحال!
يقول برهان غليون أستاذ علم الاجتماع في كتابه (اغتيال العقل) في قسمه الأول (زمن الفتنة أو الوعي المنقسم) وفيما سماه العقل السجاني: أن (السكولستيكية) أو النقاش خارج الواقع تجعل العملية الفكرية عملية استنباط أفكار من أفكار دون عودة إلى الواقع، باستثناء تلك التي تسعى لقياسه عليها، وأن هذا ما يجعل الفكر يدور في فلكه الخاص ويشتد في أحكامه واستنتاجاته دون رقيب، إذ يمكن للقضية أن تكون منطقية وصحيحة أي أن تطابق نتائجها مقدماتها دون أن تكون بالضرورة صادقة من حيث مطابقة نتائجها للواقع، ويؤكد المؤلف غليون: أن هذا لا يعني أنه ليس لمنطقية القضايا علاقة بصدقها الواقعي، ولكنه يعني أن الفكر يتحول هنا إلى الأصل، والواقع إلى الفرع الذي يتوجب عليه التكيف مع المقولات، والتطابق معها.
لماذا تصبح خسارة المرشح (البحريني) بسبب ما وعدم فوز (الأردني) نتيجة عدم اتفاق؟ إذن لماذا انسحب الأفريقي الجنوبي وكيف لم يحصل (الفرنسي) ولا على صوت واحد؟ والأهم ماذا كان العرب سيأخذونه لو فاز أحدهما بكرسي الرئيس؟ سويسرا ماذا أخذت من مواطنها بلاتر طبعا غير ما أخذه لجيبه، وهل وزع السويسريون الحلوى في الشوارع لفوز (جياني اينفانتينو) أو أحيوا ليلهم بالعرضة أو الدبكة، كلما وضع العرب في اختبار ظهر لنا أن همهم إثبات أن الأسئلة هدفها تعجيزهم أكثر من رغبتهم في النجاح!
نختم بالقول إن الانتهازيين، وأصحاب المصالح، الذين كانوا يتحينون للقفز داخل مركب سلمان أو علي، خسارتهم كانت أكبر ربما هذا سر غضبتهم وضيقهم!