جوش روغين
صحفي أميركي
TT

الدبلوماسية الأميركية تكلف السوريين الكثير

في الأيام التي أعقبت انهيار محادثات السلام السورية التي قادها وزير الخارجية الأميركية جون كيري، تعاظمت الكارثة الإنسانية الحالية في شمالي سوريا، حيث أسفرت عن عشرات الآلاف من اللاجئين الجدد، وتزايد مع ذلك عمليات القتل الروسية - الإيرانية بحق المدنيين العزل. وليس كل ذلك إلا عواقب الاستراتيجية الأميركية القاصرة، وفقا لكبير المفاوضين بجماعات المعارضة السورية.
كان رياض حجاب يشغل منصب رئيس وزراء سوريا في عام 2012 تحت حكم الديكتاتور الحالي بشار الأسد، ثم أصبح المنشق، الأرفع شأنا، عن ذلك النظام عندما أعلن عن انضمامه إلى صفوف المعارضة السورية. وهو يشغل الآن منصب قائد لجنة التفاوض الرئيسية التي تمثل جماعات المعارضة السورية في اجتماعات جنيف، التي عقدت مؤخرا، والتي انهارت بعد يومين اثنين فحسب. مارس الوزير كيري ضغوطه على قادة فصائل المعارضة السورية لحضور المحادثات، حتى أنه حذرهم من احتمال فقدانهم للتمويل الأميركي إذا ما اتخذوا قرار المقاطعة. ويقول السيد حجاب بأن مقاربة كيري – ومحاولته إقناع الأسد وروسيا بالتفاوض أثناء استمرار القتال على الأرض – قد جعلت الأوضاع أسوأ بكثير.
أخبرني السيد حجاب في مقابلة هاتفية مؤخرا: «تقول الإدارة الأميركية بأنها تختبر حسن نوايا الطرف الآخر. ولكن عندما تختبر هذه الأمور وتفشل، فإن الثمن المدفوع هو الموت المروع والبشع للأبرياء والتوسع في التطرف والإرهاب على الأرض».
تقوم القوات الحكومية السورية، مدعومة بالقوات الجوية الروسية، بحملة عسكرية كبيرة ضد قوات المعارضة في وحول محافظة حلب، وهي أكبر مدن البلاد، وهي الحملة التي بدأت قبل محادثات السلام المقررة. وقال الوزير كيري «لا بد لذلك أن يتوقف». وقال: إنه سوف يعلم إذا ما كانت الأطراف الأخرى، مثل الجانب الروسي: «جادة تماما» حيال الالتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بحماية المدنيين بعد الاجتماع معهم، في وقت لاحق في ميونيخ أثناء اجتماعات مجموعة الدول الداعمة للقتال بالوكالة الدائرة في الحرب الأهلية السورية.
من زاوية المعارضة السورية، فإن روسيا وإيران تسخران أشد السخرية من محادثات السلام، وتردد الوزير كيري في الاعتراف بذلك، يضع المعارضة تحت وطأة الأضرار القاتلة. كما أن الأمر برمته يخلق المزيد من المشاكل لحلفاء الولايات المتحدة الإقليميين في المنطقة، ويوفر المساعدة لتنظيم داعش، ويضيع الآمال في عقد محادثات سلام مجدية في المستقبل. ويقول السيد حجاب «إن فشل المفاوضات في نهاية المطاف أطاح بمصداقية المعارضة المعتدلة، في عيون الشعب السوري المحاصر. كما أن مصداقية الولايات المتحدة باتت على شفا الانهيار في أوساط الشعب السوري، وفي المنطقة العربية بأسرها».
وخلال هذا الأسبوع، كان السوريون القريبون من حلب هم الذين يدفعون الثمن. وتواصل القوات الحكومية، بدعم من روسيا، تقدمها نحو الحدود التركية، مهددة بقطع طريق الإمدادات والمساعدات عن قوات المعارضة وعن المدنيين في المحافظة. ولقد انضم نحو 35 ألف مواطن إلى جحافل اللاجئين منذ انهيار المحادثات، قبل ما يتوقعه الجميع بأن يكون حلقة جديدة في سلسلة طويلة من حصار التجويع الذي يمارسه النظام الحاكم في المدن السورية. وقال السيد حجاب بأن هناك الآن 18 مدينة سورية تحت الحصار، بزيادة ثلاث مدن منذ بدء المحادثات الفاشلة.
تريد موسكو إفشال محادثات السلام، كما يقول السيد حجاب. واتهم القوات الجوية الروسية باستخدام القنابل العنقودية المحرمة دوليا من دون تمييز ضد المدنيين. (وتؤيد جماعات حقوق الإنسان على الأرض هذه المزاعم). وقال السيد حجاب «اتخذ الموقف على الأرض منعطفا رهيبا، وخصوصا من حيث سياسة الأرض المحروقة التي تنتهجا المقاتلات الروسية، والطريقة التي ينفذون بها عمليات القصف الجوي، والتي تؤدي حرفيا إلى تدمير كل شيء على الأرض. وكأن الجانب الآخر يتحرك لضمان فشل أي مفاوضات من خلال عمليات القصف المروعة».
قال السيد حجاب بأن إدارة أوباما ما زالت تمارس الضغوط على جماعات المعارضة للعودة إلى مائدة المفاوضات، على الرغم من الهجوم المستمر على الأرض، ولكن المعارضة تصر على التزام روسيا بقرارات الأمم المتحدة أولا. وفي مؤتمر صحافي مشترك عقد مؤخرا، قال الوزير كيري عن الهجمات السورية - الروسية ضد المدنيين «إنها لن تتوقف لمجرد التأفف أو التوجع بشأنها»، ودعا قادة فصائل المعارضة إلى العودة لمائدة المفاوضات.
وفي مؤتمر صحافي آخر تلاه، قال جون كيربي الناطق الرسمي باسم الخارجية الأميركية إن إدارة باراك أوباما لم تمارس الضغوط على المعارضة السورية، ولكنها تريد منهم الجلوس والتفاوض من دون شروط مسبقة، مثل إنهاء القصف المستمر على المدنيين ووصول المساعدات الإنسانية.
وأضاف كيربي: «من خلال المقدرة على التفاوض، كما نأمل أن يتم ذلك وبصورة مثالية، يمكننا البدء في تناول القضايا ذات الأهمية القصوى، مثل وقف إطلاق النار ووصول المساعدات الإنسانية. ومن الصعوبة التوصل لذلك من دون وجود حوار بالأساس. كما أنه من الصعوبة كذلك فعل ذلك، كما رأينا، مع استمرار قصف المدنيين».
ولكن السيد حجاب يقول: إن الظروف اللازمة لاستئناف المفاوضات ليست قريبة من التوافر أو التحقق. تسعى المعارضة إلى المزيد من الدعم المالي والعسكري للدفاع عن المدنيين ومواجهة هجمات القوات الحكومية، بما في ذلك الأسلحة التي يمكنها الدفاع ضد الهجمات الجوية. ويضيف حجاب عن ذلك «لقد سببت لنا هذه الإدارة والمجتمع الدولي ككل خيبة أمل، وتخلوا عنا تماما بعد خمس سنوات من المعاناة المستمرة. والدعم الأميركي للمعارضة لا يُقارن إطلاقا مع الدعم الذي توفره إيران وروسيا لنظام بشار الأسد».
إذا كان التاريخ قد علمنا شيئا، فهو أن فشل محادثات السلام، يعني زيادة حوادث العنف وتوسع أعمال الإرهاب وزيادة أعداد اللاجئين. ومنذ انهيار محادثات السلام السورية الأخيرة في عام 2014. توسع تنظيم داعش في الداخل السوري، ونشر العنف والإرهاب من شمال أفريقيا وحتى غرب أوروبا، بينما يجبر حصار الأسد ملايين اللاجئين على الفرار بحياتهم. ولسوف يزداد الأمر سوءا، إذا استمرت إدارة أوباما في اعتماد سياستها الحالية، كما قال السيد حجاب.
من شأن الرئيس المقبل للولايات المتحدة، سواء كان ديمقراطيا أو جمهوريا، أن يُجري تغييرات كبيرة في سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا. ولكن خلال الـ11 شهرا القادمة، يمكن للأوضاع أن تتفاقم إلى مستويات غير مسبوقة. هناك مخاطر متأصلة حيال تعميق التدخل الأميركي، ولكن يتحتم على أوباما موازنة ذلك في مواجهة التكاليف الدبلوماسية الباهظة، التي سوف تتكبدها الولايات المتحدة إذا ما فشلت الجهود.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»